وقد ذكر الأصحاب جواز دخول المجروح والسلس والمستحاضة مع أمن التلويث. وعلى منهجه سلك شيخنا الشهيد الثاني في الروض (1) غير أنه لم يدع الاجماع على أصل الحكم، وجعل ما استقر به من عدم التحريم مع عدم التلويث مذهب الأكثر، ولعله كذلك بين المتأخرين، بل لم أقف فيهم على مخالف، فلعله عليه عامتهم كما صرح به بعضهم، مؤذنا بدعوى إجماعهم عليه، فلا بأس به وإن كان المنع مطلقا أحوط، لدعوى الحلي الاجماع عليه (2) - كما حكي - وقوة احتمال استنباطه من إطلاق الآية الكريمة - وإن اختصت بالمشركين خاصة - لظهورها في أن علة المنع هو النجاسة، وهي جارية في مفروض المسألة، ونحوها الرواية النبوية - وإن كانت مرسلة - لأنها بموافقتها لها منجبرة، وهما كما ترى مطلقتان شاملتان لصورتي التلويث وعدمه.
وليس ما ذكره الشهيدان من أدلة الجواز في الصورة الثانية بعامة لجميع أفرادها، حتى التي لم يتحقق فيها الاجماع وكانت محل النزاع، لأن غاية تلك الأدلة إخراج مواردها خاصة من إطلاق الآية والرواية، وتتميمها بالاجماع المركب غير متوجه في محل الخلاف والبحث.
اللهم إلا أن يدعى حصول الظن من تتبع الجواز في تلك الموارد بالجواز في غيرها وهو في غاية القوة، مع إمكان المناقشة في دلالة الآية والرواية.
أما الأولى: فلعدم معلومية المراد مما فيها من لفظ (النجس) هل هو المعنى اللغوي أو المعنى المصطلح؟ ولا يتم دلالتها إلا بالثاني، وهو غير معلوم بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في أمثاله، وتعيينه بتفريع (فلا يقربوا) عليه غير متضح بعد عموم المعنى اللغوي للخبث الباطني الموجود في المشركين