فالآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني؟ فوا سوأتاه غدا من الوقوف بين يديك، إذا قيل للمخفين: جوزوا، وللمثقلين: حطوا، أمع المخفين أجوز؟ أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب، أما آن لي أن أستحيي من ربي؟! ثم بكى وأنشأ يقول:
أتحرقني بالنار يا غاية المنى * فأين رجائي ثم أين محبتي أتيت بأعمال قباح زرية * وما في الورى خلق جنى كجنايتي ثم بكى وقال: سبحانك تعصى كأنك لا ترى، وتحلم كأنك لم تعص، تتودد إلى خلقك بحسن الصنيع كأن بك الحاجة إليهم، وأنت يا سيدي الغني عنهم، ثم خر إلى الأرض ساجدا.
قال - طاووس -: فدنوت منه وشلت برأسه ووضعته على ركبتي وبكيت حتى جرت دموعي على خده، فاستوى جالسا وقال: من الذي أشغلني عن ذكر ربي؟ فقلت: أنا طاووس يا بن رسول الله ما هذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جانون، أبوك الحسين بن علي، وأمك فاطمة الزهراء، وجدك رسول الله (صلى الله عليه وآله)!
قال: فالتفت إلي وقال: هيهات هيهات يا طاووس، دع عني حديث أبي وأمي وجدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ولو كان عبدا حبشيا، وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولدا قرشيا، أما سمعت قوله تعالى: * (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) * والله لا ينفعك غدا إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح (1).
- طاووس اليماني: رأيت رجلا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه، فجئته حين فرغ من الصلاة، فإذا هو علي بن الحسين (عليه السلام)، فقلت له: يا بن رسول الله رأيتك على حالة كذا، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من الخوف، أحدها: أنك ابن رسول الله، والثاني: شفاعة جدك، والثالث: رحمة الله، فقال: يا طاووس! أما أني ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يؤمنني، وقد سمعت الله تعالى يقول: * (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) * وأما شفاعة جدي فلا تؤمنني، لأن الله تعالى يقول:
* (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) * وأما رحمة الله فإن الله تعالى يقول: * (إنها قريبة من المحسنين) * ولا أعلم أني محسن (2).
- أيضا -: مررت بالحجر فإذا أنا بشخص راكع وساجد، فتأملته فإذا هو علي بن الحسين (عليه السلام)... فجعلت أرقبه حتى فرغ من صلاته، ورفع باطن كفيه إلى السماء وجعل يقول:
سيدي سيدي، هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوءة، وعيناي بالرجاء ممدودة (3).
- الإمام زين العابدين (عليه السلام) - كان يدعو بهذا الدعاء -: إلهي وعزتك وجلالك وعظمتك، لو أني منذ بدعت فطرتي من أول الدهر عبدتك