ومن يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ قال:
قلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟
قلت: لا، بل يزيدون، قال: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ قلت:
لا، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال:
فكيف كان قتالكم إياه؟ قال: قلت: تكون الحرب بيننا وبينه سجالا، يصيب منا ونصيب منه، قال:
فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها... قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ قال: قلت: لا...
قال: إن يكن ما تقول فيه حقا فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه منكم، ولو أني أعلم أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي.
قال: ثم دعا بكتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقرأه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأيسيين، يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به (1).
فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط، وأمر بنا فأخرجنا، فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة (2).
- دحية الكلبي: بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكتاب إلى قيصر، فأرسل إلى الأسقف فأخبره بمحمد (صلى الله عليه وآله) وكتابه، فقال: هذا النبي الذي كنا ننتظره بشرنا به عيسى بن مريم، فقال الأسقف: أما أنا فمصدقه ومتبعه، فقال قيصر:
أما أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي، ثم قال قيصر:
التمسوا لي من قومه هاهنا أحدا أسأله عنه، وكان أبو سفيان وجماعة من قريش دخلوا الشام تجارا فأحضرهم، قال: ليدن مني أقربكم نسبا به، فأتاه أبو سفيان فقال: أنا سائل عن هذا الرجل الذي يقول: إنه نبي، ثم قال لأصحابه: إن كذب فكذبوه، قال أبو سفيان: لولا الحياء أن يأثر أصحابي عني الكذب لأخبرته بخلاف ما هو عليه، فقال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: ذو نسب، قال: هل قال هذا القول منكم أحد؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟ قلت:
ضعفاؤهم، قال: [فهل] يزيدون أو ينقصون؟
قلت: يزيدون، قال: يرتد أحد منهم سخطا لدينه؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، قال: فهل قاتلكم؟ قلت: نعم، قال: فكيف حربكم وحربه؟ قلت: ذو سجال: مرة له ومرة عليه، قال: هذه آية النبوة، قال: فما يأمركم؟
قلت: يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصوم والعفاف والصدق وأداء الأمانة والوفاء بالعهد، قال: هذه صفة نبي، وقد كنت أعلم أنه يخرج ولم أظن أنه منكم، فإنه يوشك