وكذا، وجعل حاجبه - وكان روميا اسمه مري - يسألني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكنت أحدثه عن صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يدعو إليه، فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول: إني قد قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعينه، فأنا أؤمن به وأصدقه وأخاف من الحارث أن يقتلني، وكان يكرمني ويحسن ضيافتي، وخرج الحارث يوما فجلس ووضع التاج على رأسه، فأذن لي عليه، فدفعت إليه كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقرأه ثم رمى به وقال:
من ينتزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته، علي بالناس! فلم يزل يفرض حتى قام، وأمر بالخيول تنعل، ثم قال: أخبر صاحبك ما ترى، وكتب إلى قيصر يخبره خبري وما عزم عليه، فكتب إليه قيصر: ألا تسير إليه واله عنه ووافني بإيلياء، فلما جاءه جواب كتابه دعاني فقال: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ فقلت:
غدا، فأمر لي بمائة مثقال ذهب، ووصلني مري، وأمر لي بنفقة وكسوة، وقال: أقرئ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مني السلام، فقدمت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته، فقال: باد ملكه! وأقرأته من مري السلام وأخبرته بما قال، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
صدق، ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح (1).
- وكان فروة بن عمرو الجذامي عاملا لقيصر على عمان من أرض البلقاء، فلم يكتب إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأسلم فروة وكتب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإسلامه وأهدى له، وبعث من عنده رسولا من قومه يقال له: مسعود بن سعد، فقرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتابه وقبل هديته، وكتب إليه جواب كتابه، وأجاز مسعودا باثنتي عشرة أوقية ونش، وذلك خمسمائة درهم (2).
- وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سليط بن عمرو العامري - وهو أحد الستة - إلى هوذة بن علي الحنفي يدعوه إلى الإسلام وكتب معه كتابا، فقدم عليه وأنزله وحباه، وقرأ كتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ورد ردا دون رد، وكتب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك، وأجاز سليط بن عمرو بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر، فقدم بذلك كله على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبره عنه بما قال، وقرأ كتابه وقال:
لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت، باد وباد ما في يديه! فلما انصرف من عام الفتح جاءه جبرئيل فأخبراه أنه قد مات (3).
- أبو سفيان:... بينا أنا بالشام إذ جئ بكتاب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى هرقل... فقال هرقل: هل هاهنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟
قالوا: نعم.
قال: فدعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه... وأجلسوا أصحابي خلفي...
ثم قال لترجمانه: سله، كيف حسبه فيكم؟
قال: قلت: هو فينا ذو حسب، قال: فهل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: