فقال لهم نبيهم: * (هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) * وكان كما قال الله تبارك وتعالى: * (فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم...) * فقال لهم نبيهم: * (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) * فغضبوا من ذلك وقالوا:
* (أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) * وكانت النبوة في ولد لاوي، والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد ابن يامين أخي يوسف لامه، لم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيهم:
* (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) * وكان أعظمهم جسما، وكان شجاعا قويا، وكان أعلمهم، إلا أنه كان فقيرا فعابوه بالفقر، فقالوا: * (لم يؤت سعة من المال) * فقال لهم نبيهم: * (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة) * وكان التابوت الذي أنزله الله على موسى فوضعته فيه أمه وألقته في اليم، فكان في بني إسرائيل يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم، فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم، فلما سألوا النبي وبعث الله إليهم طالوت ملكا يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت، كما قال الله: * (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة) * قال: البقية: ذرية الأنبياء، وقوله: * (فيه سكينة من ربكم) * فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فتخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الإنسان (1).
- وفيه: حدثني أبي عن الحسن بن خالد عن الرضا (عليه السلام): السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الإنسان، فكان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفار، فإن تقدم التابوت رجل لا يرجع حتى يقتل أو يغلب، ومن رجع عن التابوت كفر وقتله الإمام، فأوحى الله إلى نبيهم إن جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى (عليه السلام)، وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب (عليه السلام) اسمه داود ابن آسي (2)، وكان آسي راعيا وكان له عشرة بنين أصغرهم داود، فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي أن أحضر ولدك، فلما حضروا دعا واحدا واحدا من ولده فألبسه درع موسى (عليه السلام) منهم من طالت عليه، ومنهم من قصرت عنه، فقال لآسي: هل خلفت من ولدك أحدا؟ قال: نعم أصغرهم تركته في الغنم يرعاها، فبعث إليه ابنه فجاء به، فلما دعي أقبل ومعه مقلاع، قال: فنادته ثلاث صخرات في