يا بني لا تقترب فيكون أبعد لك، ولا تبعد فتهان، كل دابة تحب مثلها وابن آدم لا يحب مثله (1)! لا تنشر برك إلا عند باغيه، وكما ليس بين الكبش والذئب خلة كذلك ليس بين البار والفاجر خلة، من يقترب من الرفث يعلق به بعضه، كذلك من يشارك الفاجر يتعلم من طرقه، من يحب المراء يشتم، ومن يدخل مدخل السوء يتهم، ومن يقارن قرين السوء لا يسلم، ومن لا يملك لسانه يندم....
يا بني صاحب مائة ولا تعاد واحدا، يا بني إنما هو خلاقك وخلقك، فخلاقك دينك، وخلقك بينك وبين الناس، فلا ينقصن تعلم محاسن الأخلاق.
ويا بني كن عبدا للأخيار ولا تكن ولدا للأشرار، يا بني عليك بأداء الأمانة تسلم دنياك وآخرتك، وكن أمينا فإن الله تعالى لا يحب الخائنين، يا بني لا تر الناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر (2).
- عنه (عليه السلام) - أيضا -: يا بني إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجرا، فأوف عملك واستوف أجرك، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمن فكان حتفها (3) عند سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها، وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر، أخربها ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها.
واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع: شبابك فيما أبليته، وعمرك فيما أفنيته، ومالك مما اكتسبته، وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فإن قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه، وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك، وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك، وتعرض لمعروف ربك، وجدد المتوبة في قلبك، واكمش (4) في فراغك قبل أن يقصد قصدك، ويقضي قضاؤك، ويحال بينك وبين ما تريد (5).
- عنه (عليه السلام) - أيضا -: يا بني إياك والضجر وسوء الخلق وقلة الصبر، فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب، والزم نفسك التؤدة (6) في أمورك، وصبر على مؤونات الإخوان نفسك، وحسن مع جميع الناس خلقك.
يا بني إن عدمك ما تصل به قرابتك وتتفضل به على إخوتك فلا يعدمنك حسن الخلق وبسط البشر، فإن من أحسن خلقه أحبه الأخيار وجانبه الفجار، واقنع بقسم الله لك يصف عيشك، فإن أردت أن تجمع عز الدنيا فاقطع طمعك مما في أيدي الناس، فإنما بلغ الأنبياء والصديقون ما بلغوا بقطع طمعهم (7).