علي موسى فكلمته تكليما، فقال: يا داود! إنا ابتليناهم بما لم نبتلك بمثله فإن شئت ابتليتك، فقال: نعم يا رب فابتلني.
فبينا هو في محرابه ذات يوم إذ وقعت حمامة فأراد أن يأخذها فطارت إلى كوة المحراب، فذهب ليأخذها فاطلع من الكوة فإذا امرأة أوريا بن حيان تغتسل فهواها وهم بتزويجها، فبعث باوريا إلى بعض سراياه وأمر بتقديمه أمام التابوت الذي فيه السكينة ففعل ذلك وقتل.
فلما انقضت عدتها تزوجها وبنى بها فولد له منها سليمان، فبينا هو ذات يوم في محرابه إذ دخل عليه رجلان ففزع منهما، فقالا: لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض - إلى قوله - وقليل ما هم، فنظر أحد الرجلين إلى صاحبه ثم ضحك، فتنبه داود على أنهما ملكان بعثهما الله إليه في صورة خصمين ليبكتاه على خطيئته، فتاب وبكى حتى نبت الزرع من كثرة دموعه.
ثم قال في المجمع - ونعم ما قال -: إنه مما لا شبهة في فساده، فإن ذلك مما يقدح في العدالة، فكيف يجوز أن يكون أنبياء الله - الذين هم امناؤه على وحيه وسفراؤه بينه وبين خلقه - بصفة من لاتقبل شهادته وعلى حالة تنفر عن الاستماع إليه والقبول منه.
أقول: والقصة مأخوذة من التوراة، غير أن التي فيها أشنع وأفظع، فعدلت بعض التعديل على ما سيلوح لك.
ففي التوراة ما ملخصه: وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم وكانت المرأة جميلة المنظر جدا، فأرسل داود وسأل عن المرأة فقيل: إنها بتشبع امرأة أوريا الحثي، فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت عليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود أنها حبلى.
وكان أوريا في جيش لداود يحاربون بني عمون، فكتب داود إلى يوآب أمير جيشه يأمره بإرسال أوريا إليه، ولما أتاه وأقام عنده أياما كتب مكتوبا إلى يوآب وأرسله بيد أوريا، وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت، ففعل به ذلك فقتل، وأخبر داود بذلك.
فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات ندبت بعلها، ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابنا، وأما الأمر الذي فعله داود فقبح في عيني الرب.
فأرسل الرب ناثان النبي إلى داود، فجاء إليه وقال له: كان رجلان في مدينة واحدة واحد منهما غني والآخر فقير، وكان للغني غنم وبقر كثيرة جدا، وأما الفقير فلم يكن له شئ إلا نعجة واحدة صغيرة قد اقتناها ورباها، فجاء ضيف إلى الرجل الغني فعفا أن يأخذ من غنمه ومن بقره ليهئ للضيف الذي جاء إليه، فأخذ نعجة الرجل الفقير وهيأ لضيفه، فحمي غضب داود على الرجل جدا وقال لناثان: حي هو الرب، إنه يقتل الرجل