بعضهم: ذو الكفل بشر بن أيوب الصابر، بعثه الله بعد أبيه رسولا إلى أرض الروم، فآمنوا به وصدقوه واتبعوه، ثم إن الله تعالى أمره بالجهاد فكاعوا عن ذلك وضعفوا، وقالوا: يا بشر! إنا قوم نحب الحياة ونكره الموت، ومع ذلك نكره أن نعصي الله ورسوله، فإن سألت الله تعالى أن يطيل أعمارنا ولا يميتنا إلا إذا شئنا لنعبده ونجاهد أعداءه، فقال لهم بشر بن أيوب: لقد سألتموني عظيما وكلفتموني شططا.
ثم إنه قام وصلى ودعا وقال: إلهي أمرتني أن نجاهد (1) أعداءك، وأنت تعلم أني لا أملك إلا نفسي، وإن قومي قد سألوني ما أنت أعلم به مني، فلا تأخذني (2) بجريرة غيري، فإني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك. قال: وأوحى الله تعالى إليه: يا بشر! إني سمعت مقالة قومك، وإني قد أعطيتهم ما سألوني، فطولت أعمارهم فلا يموتون إلا إذا شاؤوا، فكن كفيلا لهم مني بذلك، فبلغهم بشر رسالة الله فسمي ذا الكفل.
ثم إنهم توالدوا وكثروا ونموا حتى ضاقت بهم بلادهم، وتنغصت عليهم معيشتهم، وتأذوا بكثرتهم، فسألوا بشرا أن يدعو الله تعالى أن يردهم إلى آجالهم، فأوحى الله تعالى إلى بشر: أما علم قومك أن اختياري لهم خير من اختيارهم لأنفسهم؟! ثم ردهم إلى أعمارهم فماتوا بآجالهم، قال: فلذلك كثرت الروم حتى يقال: إن الدنيا خمسة أسداسها الروم، وسموا روما لأنهم نسبوا إلى جدهم روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم (عليه السلام)، قال وهب: وكان بشر بن أيوب مقيما بالشام عمره حتى مات، وكان عمره خمسا وتسعين سنة (3).
وقال السيد ابن طاوس في سعد السعود:
قيل: إنه تكفل لله تعالى جل جلاله أن لا يغضبه قومه فسمي ذو الكفل، وقيل: تكفل لنبي من الأنبياء أن لا يغضب فاجتهد إبليس أن يغضبه بكل طريق فلم يقدر، فسمي ذو الكفل لوفائه لنبي زمانه أنه لا يغضب (4).