شأن إلا إجراء الأمر الإلهي في مجراه أو تقريره في مستقره، كما قال تعالى: * (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) * (1).
وثانيا: أنهم لا يعصون الله فيما أمرهم به، فليست لهم نفسية مستقلة ذات إرادة مستقلة تريد شيئا غير ما أراد الله سبحانه فلا يستقلون بعمل ولا يغيرون أمرا حملهم الله إياه بتحريف أو زيادة أو نقصان، قال تعالى: * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) * (2).
وثالثا: أن الملائكة على كثرتهم على مراتب مختلفة علوا ودنوا، فبعضهم فوق بعض وبعضهم دون بعض، فمنهم آمر مطاع ومنهم مأمور مطيع لأمره، والآمر منهم آمر بأمر الله حامل له إلى المأمور والمأمور مأمور بأمر الله مطيع له، فليس لهم من أنفسهم شئ البتة، قال تعالى: * (وما منا إلا له مقام معلوم) * (3) وقال: * (مطاع ثم أمين) * (4)، وقال: * (قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق) * (5).
ورابعا: أنهم غير مغلوبين لأنهم إنما يعملون بأمر الله وإرادته * (وما كان الله ليعجزه من شئ في السماوات ولا في الأرض) * (6)، وقد قال الله: * (والله غالب على أمره) * (7)، وقال: * (إن الله بالغ أمره) * (8).
ومن هنا يظهر أن الملائكة موجودات منزهة في وجودهم عن المادة الجسمانية التي هي في معرض الزوال والفساد والتغير، ومن شأنها الاستكمال التدريجي الذي تتوجه به إلى غايتها، وربما صادفت الموانع والآفات فحرمت الغاية وبطلت دون البلوغ إليها.
ومن هنا يظهر أن ما ورد في الروايات من صور الملائكة وأشكالهم وهيآتهم الجسمانية كما تقدم نبذة منها في البحث الروائي السابق إنما هو بيان تمثلاتهم وظهوراتهم للواصفين من الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وليس من التصور والتشكل في شئ، ففرق بين التمثل والتشكل، فتمثل الملك إنسانا هو ظهوره لمن يشاهده في صورة الإنسان، فهو في ظرف المشاهدة والإدراك ذو صورة الإنسان وشكله، وفي نفسه والخارج من ظرف الإدراك ملك ذو صورة ملكية، وهذا بخلاف التشكل والتصور فإنه لو تشكل بشكل الإنسان وتصور بصورته صار إنسانا في نفسه من غير فرق بين ظرف الإدراك والخارج عنه، فهو إنسان في العين والذهن معا، وقد تقدم كلام في معنى التمثل في تفسير سورة مريم.
ولقد صدق الله سبحانه ما تقدم من معنى التمثل في قوله في قصة المسيح ومريم:
* (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا) * (9) وقد تقدم تفسيره.
وأما ما شاع في الألسن أن الملك جسم لطيف يتشكل بأشكال مختلفة إلا الكلب والخنزير،