بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحتين (والحديثان يدلان) على جواز دخول مكة للحرب بغير إحرام، وقد اعترض عليه بأن القتال في مكة خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما ثبت في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فإن ترخص أحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقولوا: إن الله تعالى أذن لرسوله ولم يأذن لكم فدل على عدم جواز قياس غيره عليه، ويجاب بأن غاية ما في هذا الحديث اختصاص القتال به صلى الله عليه وآله وسلم، وأما جواز المجاوزة فلا، وأمته أسوته في أفعاله، وقد اختلف في جواز المجاوزة لغير عذر، فمنعه الجمهور وقالوا: لا يجوز إلا بإحرام، من غير فرق بين من دخل لاحد النسكين أو لغيرهما، ومن فعل أثم ولزمه دم. وروي عن ابن عمر والناصر وهو الأخير من قولي الشافعي واحد قولي أبي العباس: إنه لا يجب الاحرام إلا على من دخل لأحد النسكين لا على من أراد مجرد الدخول.
(استدل الأولون) بقوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * (سورة المائدة، الآية: 2) وأجيب بأنه تعالى قدم تحريم الصيد عليهم وهم محرمون في قوله تعالى * (إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم) * (سورة المائدة، الآية: 1) وقد علم أنه لا إحرام إلا عن أحد النسكين، ثم أخبرهم بإباحة الصيد لهم إذا حلوا، فليس في الآية ما يدل على المطلوب، واستدلوا ثانيا بحديث ابن عباس عند البيهقي بلفظ لا يدخل أحد مكة إلا محرما قال الحافظ: وإسناده جيد ورواه ابن عدي مرفوعا من وجهين ضعيفين. وأخرجه ابن أبي شيبة عنه بلفظ: لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين والعمالين وأصحاب منافعها وفي إسناده طلحة ابن عمرو وفيه ضعف. وروى الشافعي عنه أيضا أنه كان يرد من جاوز الميقات غير محرم. وقد اعتذر بعض المتأخرين عن حديث ابن عباس هذا بأنه موقوف على ابن عباس من تلك الطريق التي ذكرها البيهقي ولا حجة فيما عداها، ثم عارض ما ظنه موقوفا بما أخرجه مالك في الموطأ أن ابن عمر جاوز الميقات غير محرم، فإن صح ما ادعاه من الوقف فليس في إيجاب الاحرام على من أراد المجاوزة لغير النسكين دليل، وقد كان المسلمون في عصره صلى الله عليه وآله وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم، ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بإحرام كقصة الحجاج به علاط، وكذلك قصة أبي قتادة لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال، وقد كان أرسله لغرض قبل الحج فجاوز الميقات لا بنية الحج ولا العمرة فقرره صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما مع ما يقضي بعدم الوجوب من استصحاب البراءة الأصلية إلى أن يقوم دليل ينقل عنها.