فقال الجمهور: لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسا عنه. وقال أحمد وإسحاق: لا تلزمه الإعادة لئلا تفضي إلى إيجاب حجتين، وأجيب بأن العبرة بالانتهاء، وقد انكشف أن الحجة الأولى غير مجزئة.
وعن ابن عباس: أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء رواه البخاري والنسائي بمعناه. وفي رواية لأحمد والبخاري بنحو ذلك وفيها قال: جاء رجل فقال: إن أختي نذرت أن تحج وهو يدل على صحة الحج عن الميت من الوارث وغيره حيث لم يستفصله أوارث هو أم لا؟ وشبهه بالدين. وعن ابن عباس قال: أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال: إن أبي مات وعليه حجة الاسلام أفأحج عنه؟ قال أرأيت لو أن أباك ترك دينا عليه أقضيته عنه؟ قال: نعم، قال فاحجج عن أبيك رواه الدارقطني.
حديث ابن عباس الآخر أخرجه النسائي والشافعي وابن ماجة. قوله: إن أمي نذرت الخ، قيل: إن هذا الحديث مضطرب لأنه قد روي أن هذه المرأة قالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر كما تقدم في الصيام، وأجيب بأنه محمول على أن المرأة سألت عن كل من الصوم والحج، ويؤيد ذلك ما عند مسلم عن بريدة: أن امرأة قالت: إن أمي وفيه يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم تحج أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها. قوله: قال نعم فيه دليل على صحة النذر بالحج ممن لم يحج، فإذا حج أجز عن حجة الاسلام عند الجمهور وعليه الحج عن النذر، وقيل يجزئ عن النذر ثم يحج عن حجة الاسلام وقيل: يجزئ عنهما. وفيه دليل أيضا على إجزاء الحج عن الميت من الولد، وكذلك من غيره، ويدل على ذلك قوله: اقضوا الله فالله أحق بالوفاء. وروى سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه لا يحج أحد عن أحد، ونحوه عن مالك والليث. وعن مالك إن أوصى بذلك فليحج عنه وإلا فلا. قوله: أكنت قاضيته فيه دليل على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله، كما أن عليه قضاء ديونه، وقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال فكذلك ما شبه به في القضاء، ويلحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من نذر أو كفارة أو زكاة أو غير ذلك. قوله: