وعلى تقدير الضمان لم يظهر وجه رجوع الغارم بما غرمه إلى أولئك الذين لهم المال.
قيل: ويمكن حمل ذلك أي رجوع الدافع على العامل بماله، ورجوع العامل على أولئك بما أخذوا على عامل خلط المال المدفوع إليه بأموال أولئك والحال أنه لم يأذن صاحبه فيه وأذن له الباقون، وهذا الحمل محكي عن ابن إدريس - قدس سره - ولا يخفى بعده، مع عدم ذكر لهذه القيود المذكورة، والفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم - لم يعملوا بمضمون الرواية، وإن كان الظاهر عدم المناقشة من جهة السند.
(الرابعة: لو وضع المستأجر الأجرة على يد أمين فتلفت كان المستأجر ضامنا، إلا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك فحقه حيث وضعه، الخامسة: يقضى على الغائب مع قيام البينة، وبياع ماله ويقضى دينه، ويكون الغائب على حجته، ولا يدفع إليه المال إلا بكفلاء).
ما ذكر في هذا المسألة يصح بحسب القاعدة، وحيث إن الأجير ملك الأجرة بنفس العقد، فإذا عين أحدا لقبضها كانا القابض وكيلا أو مأذونا من قبله، فقبضه بمنزلة قبض الأجير، بخلاف صورة عدم التعيين، فتكون الأجرة باقية على ضمان المستأجر، ويدل عليه الحسن بل الصحيح المروي في التهذيب " عن رجل استأجر أجيرا فلم يأمن أحدهما صاحبه، فوضع الأجر على يد رجل، فهلك ذلك الرجل ولم يدع وفاء، واستهلك الأجر، فقال: المستأجر ضامن لأجر الأجير حتى يقضي إلا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك فرضي به، فإن فعل فحقه حيث وضعه رضي به " (1).
ويمكن أن يقال الأجرة تارة تكون كلية في الذمة وأخرى عينا شخصية وثالثة منفعة، ففي الصورة الأولى ما تعينت بدون قبض الأجير أو من هو بمنزلته من وكيل أو ولي أو مأذون، فنفس الأجرة باقية في الذمة، وحينئذ فالتعبير بالضمان مسامحة، لأن التدارك بالمثل أو القيمة فرع ارتباط المضمون بالأجير، ولا ارتباط