(النظر الثاني في موجبات الضمان، والبحث إما في المباشرة، أو التسبيب، أو تزاحم الموجبات، أم المباشرة فضابطها الاتلاف لا مع القصد، فالطبيب يضمن في ماله من يتلف بعلاجه، ولو أبرأه المريض أو الولي فالوجه الصحة لا مساس الضرورة إلى العلاج، ويؤيده رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام، وقيل لا يصح لأنه إبراء مما لم يجب، وكذا البحث في البيطار).
الطبيب تارة يصف الدواء للمريض أو لمن يباشر أمره من دون مباشرة أمر وراء الوصف فاتفق موت المريض أو نقصان طرف منه فيشكل ضمانه فكيف يستند التلف إليه مع أن المباشر غيره، وأخرى يباشر كأن يشربه الدواء أو يفصده، أو جرحه فيستند إليه التلف، فمع الاستناد مقتضى القاعدة الضمان سواء كان قاصرا أو حاذقا، مأذونا أو غير مأذون، لأن بدن الانسان ليس مثل الأموال حتى يرتفع الضمان مع الإذن في التصرف، ويشهد له ما رواه الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي، عن السكوني (إن أمير المؤمنين عليه السلام ضمن ختانا قطع حشفه غلام) (1).
هذا مع المباشرة للطبيب والبيطار، ويمكن القول بالضمان مع الوصف بدون المباشرة، كما لو قطع أو اطمئن بصحة قوله الطبيب فيما وصف، لصدق الغرور، كما حكم بضمان الغار في باب النكاح، وفي باب تعاقب الأيدي على مال الغير وغيرهما، إلا أن يستشكل في كلية قاعدة الغرور، والتعدي عن مورد النص، فبعد الفراغ عن الضمان هل يرتفع الضمان بابراء المريض أو الولي؟ قد يقال بالبراءة، ولرواية السكوني عن جعفر عليه السلام قال: (قال أميرا لمؤمنين عليه السلام: من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه، وإلا فهو ضامن (2)).
ولمسيس الحاجة إلى العلاج فإنه لا غناء عنه، وإذا عرف البيطار والطبيب أنه لا مخلص له من الضمان توقف في العلاج فوجب أن يشرع الابراء دفعا لضرورة الحاجة.