مع الحكم بالحق لم يكن فاسقا حتى لا يكون حكمه نافذا ويكون الأخذ بعنوان المقاصة لا من جهة الحكم وقد يستظهر كراهة قبول الهدية أيضا وإن لم يكن بقصد الحكم للمهدي بالباطل أو الأعم من الحق والباطل لما روي من غير طرقنا أنه صلى الله عليه وآله قال " هدايا العمال غلول " (1) وفي أخرى " هدية سحت " (2) وأخرى " إن النبي صلى الله عليه وآله استعمل رجلا من بني أسد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا لي أهدي إلي قال: أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا، و الذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منه شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على عنقه إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة له خوار أو شاة تيعر ثم رفع يده حتى رأينا عفرتي إبطيه، ثم قال: اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت (3) ".
ويمكن أن يقال: إن أخذ بمضمون مثل الرواية المذكورة فلا بد من القول بالحرمة، ومع عدم الأخذ ما وجه الكراهة ويمكن استفادة عدم الحرمة مما دل على حرمة الرشوة، فإن الرشوة بذل بلحاظ الحكم بالباطل أو الأعم منه والحكم بالحق والهدية فاقدة لهذه الخصوصية فمع تعلق الحرمة بنفس البذل بنحو الاطلاق ما وجه تعلقها مع الخصوصية إلا أن تكون الخصوصية لجهة أخرى غير المدخلية في الحرمة وأما وجوب إعادة الرشوة فلوجوب رد المغصوب، والمأخوذ بغير حق بمنزلة المغصوب، والمغصوب مردود، وقد يستفاد وجوب الرد من حيث " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " وتمام الكلام في كتاب التجارة وكتاب الغصب (النظر الثالث في كيفية الحكم وفيه مقاصد، الأول في وظائف الحاكم وهي أربع الأولى التسوية بين الخصمين في السلام والمكان والكلام والنظر والانصاف والعدل