قطع النظر عن عنوان الاكراه النسبة بين العلة الرافعة للحكم التكليفي والرافعة للحكم الوضعي هي الأعم من وجه، فإن المناط في الأول هو دفع الضرر، سواء أكان للإكراه أم لا. والمناط في الثاني عدم الإرادة وطيب النفس، سواء أكان لرفع الضرر أم لا.
الجهة الرابعة: قد تقدم أن الاكراه على القدر المشترك سواء كان حقيقيا أو انتزاعيا إكراه على الأفراد، فاختيار أحد الأفراد لا يخرجه عن الاكراه كما هو واضح، إنما الكلام في أن ذلك يطرد في مطلق الاكراه على القدر المشترك، التأصلي، أو الانتزاعي، أو يختص بما إذا كان الأفراد متساوية الأقدام بالنسبة إلى القدر المشترك، وأما لو كان لأحدها خصوصية لا تكون لغيره، أو كان لأحدها خصوصية زائدة لا تكون لغيره فاختيار المتخصص بها لا يقع عن إكراه أو اضطرار؟ وجهان، بل قولان. والأقوى هو الفرق بين الصور. وتوضيح ذلك يتم بذكر الصور المتصورة في المقام.
فمنها: الاكراه على الأفراد الطولية، والظاهر في هذه الصورة الفرق بين المحرمات والمعاملات، فلو كان مكرها أو مضطرا إلى شرب الخمر موسعا فلا يجوز له المبادرة إليه في أول الوقت، سواء احتمل التخلص منه لو أخره أم لم يحتمل، إذ لا بد في ارتكاب المحرم من المسوغ له حين الارتكاب، فإذا لم يكن حين الشرب ملزما فاختياره فعلا لا مجوز له. نعم، لو كانت المبادرة من جهة خوف عدم الامكان بعد ذلك والوقوع في الضرر فلا إشكال في جوازها.
وأما لو كان مكرها في بيع داره موسعا فلو كان مأيوسا من التخلص عنه فإقدامه على البيع في أول الوقت لا يخرجه عن الاكراه. وأما لو احتمل التخلص فلو باع أول الوقت فهو مختار، والفرق واضح.
ومنها: الاكراه على الأفراد العرضية: كالإكراه على شرب الخمر، أو الماء، فلو اختار شرب الخمر فلا يكون مكرها.
وهكذا لو أكره إما على العقد الصحيح أو الفاسد فلو اختار الصحيح فلا يكون مكرها.