فمنها: أن اعتبار الاستصحاب حسبما يستظهر من أدلته، إطالة عمر اليقين، ورؤية الشك يقينا، واعتبار وجود القطع والعلم حال الشك، فإذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين، أو خمرية واحد منهما، فلا يعقل اعتبار اليقينين بأن كل واحد منهما طاهر وماء، لسبق العلم بمائيتهما، واليقين بطهارتهما، فإن المناقضة في الاعتبار كالمناقضة في التكوين.
وهذا التقريب أولى مما في كلام العلامة النائيني (رحمه الله): من أن المجعول في الاستصحاب هو التنزيل، ولا يعقل التنزيلين مع العلم الاجمالي المذكور (1). ووجه الأولوية أن أدلة الاستصحاب، ليست متعرضة للتنزيل، لجريانه في الأحكام المشتبهة عندهم، ولا معنى للتنزيل فيها مع وحدة الدليل.
وأما فساد هذا التقريب فواضح، ضرورة أن كل واحد من الأطراف مستقل في تطبيق قوله (عليه السلام): " لا تنقض اليقين بالشك " (2) عليه، وعلى هذا لا وجه لملاحظة المجموع لحظة واحدة، فلا يلزم إلا المناقضة مع المعلوم الاجمالي بعد التطبيق، فجريان إطلاق أدلته واضح جدا في أطراف العلم الاجمالي.
وبعبارة أخرى: يلزم التناقض في الاعتبار، إذا اعتبر الشرع حجية الاستصحاب في كل واحد من الطرفين بالخصوص معا، مع التزامه بحرمة الخمر الموجودة في البين، وأما في كل واحد مع قطع النظر عن الآخر، فلا مشكلة إلا مشكلة الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري الجارية في الشبهات البدوية.
وأما بناء على المسلك الصحيح، من قانونية هذا الأصل الشاملة لجميع