وهنا احتمال رابع: وهو أن المقصود جعل الإباحتين، الواقعية، والظاهرية، فيكون شرب التتن مباحا واقعا إلى أن يرد فيه النهي، ولو كان في مورد الشك والشبهة، فهو أيضا شئ مطلق ولو كان ممنوعا بالنهي الواقعي، حتى يرد ويصل النهي إلينا.
ودعوى امتناع الجمع في الدليل الواحد بين الحكمين: الواقعي، والظاهري، قابلة للدفع بعد انحلال القضية إلى الأحكام انحلالا حكميا، ضرورة أن شرب التتن شئ، فيكون مطلقا حتى يرد فيه المنع والنهي، وإذا كان في مورد مشكوكا ومحلا للشبهة، فهو أيضا شئ بلا إشكال، فيكون مباحا، لأن بورود النهي الواقعي وإن خرج عن الإطلاق، ولكنه لا يخرج عن الشيئية، فيكون منطبقا عليه مصداق من الخطاب المنحل، وحينئذ يكون المراد من " الورود " مصداقه الآخر: وهو الوصول، لأن المراد من " النهي " الوارد أعم من الصادر والواصل، ضرورة أن النهي الصادر الواصل، من النهي الوارد، وهكذا الصادر غير الواصل، فالوارد يشمل النهيين أيضا.
وبالجملة: لا يبعد إمكان الجمع بين الإباحتين، فيكون دليلا على الخصمين في مسألة أصالة الإباحة، وأصالة البراءة.
أقول: بعد هذه الاحتمالات الكثيرة، كيف يمكن الإذعان بأحدها تعيينا: وهو أن المراد من " المطلق " هو عدم المنع الظاهري، فإنه ينفع، أو أن إباحة الظاهر داخلة مع عدم أخذ الشك والشبهة في ناحية الموضوع؟!
وغاية ما يستدعي ذلك، أن صدور مثله عن المعصوم (عليه السلام) يشهد على أنه مربوط بالمسائل المبتلى بها، والضرورة قائمة على أن العناوين الأولية، قد أوحى الله أحكامها إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو كان شئ نجسا ومودوعا مثله عند الإمام (عجل الله تعالى فرجه) ولكنه مجعول له الطهارة فعلا، فلا يوجد مطلق بالمعنى الواقعي، فيكون المراد من " المطلق " هو المشكوك والمشتبه.