وإنما الأنبياء والرسل بمنزلة أطباء النفوس (1)، فلا مدخلية للعلم والجهل في تلك التبعات واللوازم، وفي مسألة تجسم الأعمال، وتمثل الأفعال، فعليه لا معنى للقاعدة المذكورة، سواء كانت كبرى عقلائية، أو صغرى للكبرى العقلية، ويلزم الاحتياط في جميع المواقف مهما أمكن.
نعم، هذه القاعدة صحيحة على المقالة الأخرى: وهي مقالة الجعل في العقاب والثواب، وأنهما في الآخرة كما هما في الدنيا بالنسبة إلى سياسات الاسلام وسائر العقلاء (2). بل لو شك في أن القضية الصادقة هي المقالة الأولى أو الثانية، لا يمكن إجراء تلك القاعدة، ولا يحصل المؤمن والوثوق، كما لا يخفى.
أقول: الأقوال ولو كانت مختلفة، وثالثها: القول بصدق القضيتين والمقالتين، لإمكان الجمع بينهما بعد موافقة الآيات والأخبار لكل واحدة منهما (3)، إلا أنه لو كانت المقالة الأولى صحيحة، لكان لجريان البراءة وجه واضح، وذلك لأنه لو كانت تلك المقالة - بما تقتضيه ظواهر كلماتهم - صحيحة، للزم إنكار البراءة الشرعية، وللزم المنع عن نفوذ الطرق والأمارات. هذا مع أن في ترك الواجبات الشرعية، يلزم أن لا تكون عقوبة، لأن السلوب المحضة لا تبعية لها بالضرورة.
فعلى هذا، يمكن أن يقال: إن تجسم الأعمال وتمثل الأفعال صحيح، ولكن هناك شرط: وهو العلم بالمخالفة والعصيان حين الارتكاب، أو العلم بمخالفة الحجة الظاهرية، أو هو جزء دخيل. بل هو تمام الموضوع لتلك التبعة، وتلك التجسمات والصور المؤذية المزاحمة في البرازخ والنشآت والعقبات.
ويشهد لاعتبار هذا العلم، تجويز الشرع اتباع الطرق المختلفة، والاتكاء على