البراءة الشرعية في موارد الشك والشبهة، فعليه حين الشك في التحريم والإيجاب، لا يكون شرط العقاب التكويني التبعي موجودا، بل العلم بالحجة الظاهرية، ربما يكون مانعا عن تلك اللوازم والآثار والأحكام، فتأمل تأملا تاما، فإنه مزال الأقدام.
وأما قصة ترك الواجبات فهي مندفعة: بأن الترك غير المقرون بالعلم، أو بالعذر الذي هو أمر وجودي نفساني، لا يستلزم شيئا، وأما الترك المقرون بالعلم بالحجة أو الواقع، فيستتبع ذلك العلم بما أنه أمر وجودي للصور المؤذية.
ويجوز أن يقال: إن ترك الواجب من قبيل ترك المانع عن ظهور الخبائث النفسانية، فإذا أتى بواجب فقد منع تلك الخبائث عن الظهور، الموجب استمرار منعه الذهول طبعا، مع أنه يستتبع الأعمال الحسنة والصور البهية، وأما إذا تركه فيلزم ظهور تلك الخبائث مع فقده الخيرات الكثيرة، وتفصيل المسألة يطلب من سائر مكتوباتنا (1)، فلاحظ.
فعلى ما تحرر وتقرر تبين: أن القاعدة المذكورة على احتمالين صحيحة:
احتمال كونها قاعدة عقلائية، واحتمال كونها راجعة إلى توضيح صغرى قياس عقلي، ويصح الاتكال عليها لإجراء البراءة. نعم، التعبير ب " أن العقاب بلا بيان... " إلى آخره - الظاهر في إسناد العقاب إليه تعالى استقلالا وبلا وسط - لا يتم على هذه المقالة، كما لا يخفى على أرباب الدراية، والأولى أن يقال: لا عقوبة بلا بيان، أو يقال: لا يستحق العبد العقوبة بلا بيان، فإن علل ب " أنه قبيح " فهي عقلائية، وإن علل ب " أنه ظلم " فهي عقلية.
ومن هنا يظهر: أن البحث عن هذه الجهة كان ينبغي هنا، لرجوعه إلى تعيين مصب القاعدة والإشكال على التعبير عن كيفيتها وقيودها، كما يظهر بأدنى تدبر، فلا تخلط.