يتخطون إلى الجمعة من بعد، فأحب الله - عز وجل - أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه، ولأن الإمام يحبسهم للخطبة وهم ينتظرون للصلاة، ومن انتظر للصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام، ولأن الصلاة مع الإمام أتم وأكمل، لعلمه وفقهه وفضله وعدله، ولأن الجمعة عيد، وصلاة العيد ركعتان، ولم تقصر لمكان الخطبتين (1). وفيه وجوه من الدلالة:
منها: ظهوره في لزوم اتصاف إمام الجمعة بأوصاف لا يشترط ما عدا العدالة: منها: في إمام الجماعة بلا شبهة. ومنها: جعل الجمعة كالعيد، ويشترط فيه الإمام إجماعا - كما يأتي إن شاء الله تعالى - فكذا الجمعة.
ومنها: دلالته على وجوب تخطي الناس إليها من بعد، ولا يكون ذلك إلا بكونها منصب شخص معين يجب تخطيهم إليه، لأدائها. ولا معنى لذلك ولا وجه لو كان إمامها مطلق إمام الجماعة، كما لا يخفى على من تدبره. وبهذا الوجه يمكن الاستدلال على الاشتراط بالصحاح الدالة على وجوب شهود الجمعة على جميع المكلفين إلا من كان على رأس فرسخين.
ومنها: إطلاق الإمام فيه المنصرف - كما عرفت - إلى المعصوم عليه السلام، مع وقوع التصريح به فيه في موضع آخر منه، فقال: إنما جعلت الخطبة يوم الجمعة، لأن الجمعة مشهد عام، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة، وترهيبهم عن المعصية، وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليه من الآفات، الحديث (2).
وفي القوي - المروي صحيحا أيضا كما قيل (3): تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، ولا تجب على أقل، منهم: الإمام وقاضيه والمدعي حقا والمدعى