بخلاف إجابة الماهيات فإنه لا اقتضاء وراء الذات والذاتيات فالاعتراض إن كان بالإضافة إلى مرتبة الذات والماهية، فهو باطل بأن الشقي شقي في حد ذاته والسعيد سعيد كذلك كما عرفت، والذاتي لا بعلل إلا بنفس ذاته، وإن كان بالإضافة إلى الوجود فهو فاسد لما عرفت من أن إفاضة الوجود على وفق قبول القوابل عدل وصواب، وهذا معنى ما ورد من " أن الناس معادن كمعادن الذهب والفضة (1) " وهو معنى قوله عليه السلام " السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه (2) " والاختصاص ببطن الأم إما لكونه أول النشئات الوجودية عند الجمهور، أو المراد ما هو باطن الشئ وسكون ذاته، ومكنون ماهيته، وإطلاق الأم على الماهية بلحاظ جهة قبولها كما أطلق الأب على الباري تعالى بلحاظ جهة فاعلية في بعض الكتب السماوية وهو معنى ما عن العرفاء من أن العلم تابع للمعلوم فإنه تعالى لم يول أحدا إلا ما تولى ولم يعطه إلا ما أعطاه من نفسه، وما ظلمهم الله، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون والله العالم.
قوله: لكنك غفلت من أن اتحاد الإرادة إلخ: قد عرفت ما عندنا في هذا المقام عند البحث عن الإرادة التكوينية والتشريعية في بعض الحواشي السابقة (3) فلا نعيد فراجع.
قوله: ضرورة أن الصيغة ما استعملت في واحد إلخ: بل ربما لا يعقل إذ مفاد الهيئة كما هو بمعنى البعث أو الطلب الملحوظ نسبة بين المادة والمتكلم والمخاطب، فتكون المادة مبعوثا إليها أو مطلوبة والمخاطب مبعوثا أو مطلوبا منه كذلك لابد تلاحظ السخرية والتعجيز والتهديد متعلقة بالمادة مع أنه لا معنى لجعل المخاطب مسخرة بالحدث، ولا لجعله عاجزا به، ولا لجعله مهددا به، وإنما يسخره ويعجزه ويهدده بتحريكه نحو المادة.