ومما ذكرنا في تحقيق حقيقة الانشاء تعلم أن تقابل الانشاء والأخبار ليس تقابل مفاد كان التامة ومفاد كان الناقصة نظرا إلى الانشاء إثبات المعنى في نفس الأمر والإخبار ثبوت شئ لشئ تقريرا وحكاية، وذلك لأن طبع الانشاء كما عرفت لا يزيد على وجود المعنى تنزيلا بوجوده اللفظي، وهو قدر جامع بين جميع موارد الاستعمال فان القائل [بعت] اخبار أيضا يوجد معنى اللفظ بوجوده العرضي اللفظي، والحكاية غير متقومة بالمستعمل فيه بل خارجة عنه فهي من شؤون الاستعمال، بل الفرق أنهما متقابلان بتقابل العدم والملكة تارة، وبتقابل السلب والايجاب أخرى، فمثل [بعت] وأشباهه من الجمل المشتركة بين الانشاء والأخبار يتقابلان بتقابل العدم والملكة لأن المعنى الذي يوجد بوجوده التنزيلي اللفظي قابل لأن يحكى به عن ثبوته في موطنه فعدم الحكاية و التمحض فيما يقتضيه طبع الاستعمال عدم ملكة ومثل [إفعل] وأشباهه المختصة بالإنشاء عرفا يتقابلان تقابل الإيجاب والسلب إذ المفروض أن البعث الملحوظ نسبة بين أطرافها نظير البعث الخارجي غير البعث الملحوظ بعنوان المادية في سائر الاستعمالات كما سمعت منا في أوائل التعليقة فمضمون صيغة إضرب مثلا غير قابل لأن يحكى به عن ثبوت شئ في موطنه بل متمحض في الانشائية وعدم الحكاية حينئذ من باب السلب المقابل للايجاب.
ومما ذكرنا ظهر أن إبداء الفرق بينهما بأن مفاد الانشاء يوجد ويحدث بعد أن لم يكن، ومفاد الأخبار يحكى عما كان أو يكون، غير تام أيضا فان وجود المعنى باللفظ وحدوثه به مشترك بين الإنشاء والاخبار وإنما يزيد الاخبار عليه المورد القابل بجعله حاكيا ومرآة لثبوت المضمون في موطنه كما أنه اتضح من جميع ما ذكرنا أن الانشاء لا دخل له بايجاد شئ في النفس وإن كان معقولا لكن إيجاده خارجي بنحو التنزيل وبالعرض لا بالحقيقة وبالذات لأن إيجاده في النفس وإن كان معقولا لكن إيجاده باللفظ غير معقول فلا يكون معنى إنشائيا.
وأما تخيل أن الكلام الانشائي موضوع لاظهار الإرادة إما طبعا أو ايجادا نظرا