في تعبير الحكماء عن الإرادة الذاتية بالعلم بنظام الخير وبالصلاح أنهم بصدد ما به يكون الفعل اختيارا، وهو ليس العلم بلا رضا، وإلا كانت الرطوبة الحاصلة بمجرد تصور الحموضة اختيارية، والسقوط عن حافظ دقيق العرض بمجرد تصوره اختياريا، وكذلك ليس الرضا بلا علم وإلا كانت جميع الآثار والمعاليل الموافقة لطبايع مؤثراتها وعللها اختيارية، بل الاختياري هو الفصل الصادر عن شعور ورضا فمجرد الملائمة والرضا المستفادين من نظام الخير والصلاح التام لا يوجب الاختيارية بل يجب إضافة العلم إليهما فما به يكون الفعل اختياريا منه تعالى، هو العلم بنظام الخير لا أن الإرادة فيه تعالى بمعنى العلم بناظم الخير وهذا الذي ذكرنا مع موافقته للبرهان مرموز في كلمات الأعيان بل مصرح به في كلمات جملة من الأركان، وما توهم أن الإرادة بمعنى الجد وفيه تعالى جد يناسب مقام ذات الواجب بل يناسب الممكن الذي يحصل له التردد ويقتضيه حينئذ تصميم العزم واجماع الرأي.
ثم إن تقسيم الإرادة التكونية والتشريعية باعتبار تعلق الأولى بفعل المريد بنفسه، وتعلق الثانية بفعل الغير أعني المراد منه. توضيحه: أن فعل الغير إذا كان ذا فائدة عائدة إلى تشخص فينبعث من الشوق إلى تلك الفائدة شوق إلى فعل الغير بملاحظة ترتب تلك الفائدة العائدة إليه وحيث أن فعل الغير بما هو فعل اختياري له ليس بلا واسطة مقدورا للشخص بل تتبع البعث والتحريك إليه لحصول الدواعي للغير فلا محالة ينبعث للشخص شوق إلى ما يوجب حصول فعل الغير اختيارا وهو تحريكه إلى الفعل فالإرادة التشريعية ليست ما تعلق بالتحريك والبعث فإنهما من أفعاله فلا مقابلة بين التشريعية والتكوينية التشريعية هي الشوق المتعلق بفعل الغير اختيارا، وأما إذا لم يكن لفعل الغير فائدة عائدة إلى الشخص فلا يعقل تعلق الشوق به بداهة أن الشوق النفساني لا يكون بلا داع.
نعم ربما يكون إيصال النفع إلى الغير بتحريكه أمرا، أو التماسا، أو دعاء ذا فائدة عائدة إلى الشخص فينبعث الشوق إلى إيصال النفع بالبعث والتحريك ولا