اسارة الاستخدام والاستثمار.
ولذلك أكد الله سبحانه في حفظ العهد والوفاء به، قال تعالى: * (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) * (1) والآية تشمل العهد الفردي الذي يعاهد به الفرد الفرد، مثل غالب الآيات المادحة للوفاء بالعهد والذامة لنقضه، كما تشمل العهد الاجتماعي الدائر بين قوم وقوم وأمة وأمة، بل الوفاء به في نظر الدين أهم منه بالعهد الفردي، لأن العدل عنده أتم والبلية في نقضه أعم.
ولذلك أتى الكتاب العزيز في أدق موارده وأهونها نقضا بالمنع عن النقض بأصرح القول وأوضح البيان قال تعالى: * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين * وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم * إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقضوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين * فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) * (2) والآيات كما يدل سياقها نزلت بعد فتح مكة وقد أذل الله رقاب المشركين وأفنى قوتهم وأذهب شوكتهم، وهي تعزم على المسلمين أن يطهروا الأرض التي ملكوها وظهروا عليها من قذارة الشرك، وتهدر دماء المشركين من دون أي قيد وشرط إلا أن يؤمنوا، ومع ذلك تستثني قوما من المشركين بينهم وبين المسلمين عهد عدم التعرض، ولا تجيز للمسلمين أن يمسوهم بسوء حينما استضعفوا واستذلوا، فلا مانع من ناحيتهم يمنع ولا دافع يدفع، كل ذلك احتراما للعهد ومراعاة لجانب التقوى.
نعم على ناقض العهد بعد عقده أن ينقض العهد الذي نقضه ويتلقى هباء باطلا، اعتداء عليه بمثل ما اعتدى به، قال تعالى:
* (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين * - إلى أن قال - لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون * فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) * (3)، وقال تعالى: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله) * (4)، وقال تعالى: * (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان