واتقوا الله) * (1).
وجملة الأمر: أن الإسلام يرى حرمة العهد ووجوب الوفاء به على الإطلاق سواء انتفع به العاهد أو تضرر بعد ما أوثق الميثاق، فإن رعاية جانب العدل الاجتماعي ألزم وأوجب من رعاية أي نفع خاص أو شخصي، إلا أن ينقض أحد المتعاهدين عهده فللمتعاهد الآخر نقضه بمثل ما نقضه والاعتداء عليه بمثل ما اعتدى عليه، فإن في ذلك خروجا عن رقية الاستخدام والاستعلاء المذمومة التي ما نهض ناهض الدين إلا لإماطتها.
ولعمري إن ذلك أحد التعاليم العالية التي أتى بها دين الإسلام لهداية الناس إلى رعاية الفطرة الإنسانية في حكمها، والتحفظ على العدل الاجتماعي الذي لا ينتظم سلك الاجتماع الإنساني إلا على أساسه وإماطة مظلمة الاستخدام والاستثمار، وقد صرح به الكتاب العزيز وسار به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سيرته الشريفة، ولولا أن البحث بحث قرآني لذكرنا لك طرفا من قصصه عليه أفضل الصلاة والسلام في ذلك، وعليك بالرجوع إلى الكتب المؤلفة في سيرته وتاريخ حياته.
وإذا قايست بين ما جرت عليه سنة الإسلام من احترام العهد وما جرت عليه سنن الأمم المتمدنة وغير المتمدنة - ولا سيما ما نسمعه ونشاهده كل يوم من معاملة الأمم القوية مع الضعيفة في معاهداتهم ومعاقداتهم وحفظها لها ما درت لهم أو استوجبته مصالح دولتهم، ونقضها بما يسمى عذرا - وجدت الفرق بين السنتين في رعاية الحق وخدمة الحقيقة.
ومن الحري بالدين ذاك وبسننهم ذلك، فإنما هناك منطقان: منطق يقول: إن الحق تجب رعايته كيفما كان وفي رعايته منافع المجتمع، ومنطق يقول: إن منافع الأمة تجب رعايتها بأي وسيلة اتفقت وإن دحضت الحق، وأول المنطقين منطق الدين، وثانيهما منطق جميع السنن الاجتماعية الهمجية أو المتمدنة من السنن الاستبدادية والديموقراطية والشيوعية وغيرها.
وقد عرفت مع ذلك أن الإسلام في عزيمته في ذلك لا يقتصر على العهد المصطلح، بل يعم حكمه إلى كل ما بني عليه بناء ويوصي برعايته، ولهذا البحث أذيال ستعثر عليها في مستقبل الكلام إن شاء الله تعالى (2).
- رسول الله (صلى الله عليه وآله): أقربكم غدا مني في الموقف أصدقكم للحديث، وأداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقا، وأقربكم من الناس (3).
- عنه (صلى الله عليه وآله): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد (4).
- الإمام علي (عليه السلام): أشرف الخلائق الوفاء (5).
- عنه (عليه السلام): الوفاء كيل (6).