على احترام الإرادة، ولو كان مبتنيا على أصل الرحم واشتراك الدم لرزق من المال كثير من المحرومين منه، وحرم كثير من المرزوقين.
ثم إنه بعد ذلك عمد إلى الإرث، وعنده في ذلك أصلان جوهريان:
أصل الرحم وهو العنصر المشترك بين الإنسان وأقربائه لا يختلف فيه الذكور والإناث والكبار والصغار حتى الأجنة في بطون أمهاتهم وإن كان مختلف الأثر في التقدم والتأخر ومنع البعض للبعض من جهة قوته وضعفه بالقرب من الإنسان والبعد منه وانتفاء الوسائط وتحققها قليلا أو كثيرا كالولد والأخ والعم. وهذا الأصل يقضي باستحقاق أصل الإرث مع حفظ الطبقات المتقدمة والمتأخرة.
وأصل اختلاف الذكر والأنثى في نحو وجود القرائح الناشئة عن الاختلاف في تجهيزهما بالتعقل والإحساسات، فالرجل بحسب طبعه إنسان التعقل، كما أن المرأة مظهر العواطف والإحساسات اللطيفة الرقيقة، وهذا الفرق مؤثر في حياتيهما التأثير البارز في تدبير المال المملوك وصرفه في الحوائج، وهذا الأصل هو الموجب للاختلاف في السهام في الرجل والمرأة وإن وقعا في طبقة واحدة كالابن والبنت، والأخ والأخت في الجملة على ما سنبينه.
واستنتج من الأصل الأول ترتب الطبقات بحسب القرب والبعد من الميت لفقدان الوسائط وقلتها وكثرتها، فالطبقة الأولى هي التي تتقرب من الميت بلا واسطة وهي الابن والبنت والأب والام، والثانية الأخ والأخت والجد والجدة وهي تتقرب من الميت بواسطة وهي الأب أو الام أوهما معا، والثالثة العم والعمة والخال والخالة، وهي تتقرب إلى الميت بواسطتين وهما أب الميت أو أمه وجده أو جدته وعلى هذا القياس، والأولاد في كل طبقة يقومون مقام آبائهم ويمنعون الطبقة اللاحقة، وروعي حال الزوجين لاختلاط دمائهما بالزواج مع جميع الطبقات، فلا يمنعهما طبقة ولا يمنعان طبقة.
ثم استنتج من الأصل الثاني اختلاف الذكر والأنثى في غير الام والكلالة المتقربة بالأم بأن للذكر مثل حظ الأنثيين.
والسهام الستة المفروضة في الإسلام (النصف والثلثان والثلث والربع والسدس والثمن) وإن اختلفت، وكذا المال الذي ينتهي إلى أحد الوراث وإن تخلف عن فريضته غالبا بالرد أو النقص الوارد، وكذا الأب والام وكلالة الام وإن تخلفت فرائضهم عن قاعدة " للذكر مثل حظ الأنثيين " - ولذلك يعسر البحث الكلي الجامع في باب الإرث - إلا أن الجميع بحسب اعتبار النوع في تخليف السابق للاحق يرجع إلى استخلاف أحد الزوجين للآخر واستخلاف الطبقة المولدة وهم الآباء والأمهات للطبقة المتولدة وهم الأولاد، والفريضة الإسلامية في كل من القبيلين - أعني الأزواج والأولاد - للذكر مثل حظ الأنثيين.
وينتج هذا النظر الكلي أن الإسلام يرى اقتسام الثروة الموجودة في الدنيا بالثلث والثلثين، فللأنثى ثلث وللذكر ثلثان، هذا من