وألبسه ثياب بوص، ووضع طوق ذهب في عنقه، وأركبه في مركبته الخاصة ونودي أمامه: أن اركعوا، وأخذ يوسف يدبر الأمور في سني الخصب ثم في سني الجدب أحسن إدارة.
ثم قالت التوراة (1) ما ملخصه: إنه لما عمت السنة أرض كنعان أمر يعقوب بنيه أن يهبطوا إلى مصر فيأخذوا طعاما، فساروا ودخلوا على يوسف فعرفهم وتنكر لهم وكلمهم بجفاء وسألهم من أين جئتم؟ قالوا: من أرض كنعان لنشتري طعاما، قال يوسف: بل جواسيس أنتم جئتم إلى أرضنا لتفسدوها، قالوا: نحن جميعا أبناء رجل واحد في كنعان كنا اثني عشر أخا فقد منا واحد وبقي أصغرنا هاهو اليوم عند أبينا، والباقون بحضرتك، ونحن جميعا امنا لا نعرف الفساد والشر.
قال يوسف: لا وحياة فرعون نحن نراكم جواسيس، ولا نخلي سبيلكم حتى تحضرونا أخاكم الصغير حتى نصدقكم فيما تدعون، فأمر بهم فحبسوا ثلاثة أيام، ثم أحضرهم وأخذ من بينهم شمعون وقيده أمام عيونهم، وأذن لهم أن يرجعوا إلى كنعان ويجيؤوا بأخيهم الصغير.
ثم أمر أن يملأ أوعيتهم قمحا وترد فضة كل واحد منهم إلى عدله ففعل، فرجعوا إلى أبيهم وقصوا عليه القصص، فأبى يعقوب أن يرسل بنيامين معهم وقال: أعدمتموني الأولاد: يوسف مفقود وشمعون مفقود وبنيامين تريدون أن تأخذوه لا يكون ذلك أبدا، وقال: قد أسأتم في قولكم للرجل: إن لكم أخا تركتموه عندي، قالوا:
إنه سأل عنا وعن عشيرتنا قائلا: هل أبوكم حي بعد؟ وهل لكم أخ آخر فأخبرناه كما سألنا، وما كنا نعلم أنه سيقول: جيئوا إلي بأخيكم.
فلم يزل يعقوب يمتنع حتى أعطاه يهوذا الموثق أن يرد إليه بنيامين فأذن في ذهابهم به معهم، وأمرهم أن يأخذوا من أحسن متاع الأرض هدية إلى الرجل، وأن يأخذوا معهم أصرة الفضة التي ردت إليهم في أوعيتهم ففعلوا.
ولما وردوا مصر لقوا وكيل يوسف على أموره وأخبروه بحاجتهم وأن بضاعتهم ردت إليهم في رحالهم وعرضوا له هديتهم، فرحب بهم وأكرمهم وأخبرهم أن فضتهم لهم، وأخرج إليهم شمعون الرهين، ثم أدخلهم على يوسف فسجدوا له وقدموا إليه هديتهم، فرحب بهم واستفسرهم عن حالهم وعن سلامة أبيهم، وعرضوا عليه أخاهم الصغير فأكرمه ودعا له، ثم أمر بتقديم الطعام فقدم له وحده، ولهم وحدهم، ولمن عنده من المصريين وحدهم.
ثم أمر وكيله أن يملأ أوعيتهم طعاما وأن يدس فيها هديتهم وأن يضع طاسة في عدل أخيهم الصغير ففعل، فلما أضاء الصبح من غد شدوا الرحال على الحمير وانصرفوا.
فلما خرجوا من المدينة ولما يبتعدوا قال لوكيله: أدرك القوم وقل لهم: بئس ما صنعتم جازيتم الإحسان بالإساءة سرقتم طاس سيدي الذي يشرب فيه ويتفأل به فتبهتوا من استماع هذا القول وقالوا: حاشانا من ذلك، هو ذا الفضة