بينها - تنور أنهما ممثلان لنسب الأشياء بعضها إلى بعض، وإذ كانت بحسب الاعتبار ممثلات للنسب - وإن شئت فقل: نفس النسب - تبطل النسب ببطلان اعتبارها، وتحبس بحبسها ومنع جريانها، وتقف بوقوفها.
وقد شاهدنا في الحربين العالميين الأخيرين ماذا أوجده بطلان اعتبار نقود بعض الدول - كالمنات في الدولة التزارية والمارك في الجرمن - من البلوى وسقوط الثروة واختلال أمر الناس في حياتهم، والحال في كنزهما ومنع جريانهما بين الناس هذا الحال.
وإلى ذلك يشير قول أبي جعفر (عليه السلام) في رواية الأمالي المتقدمة: جعلها الله مصلحة لخلقه، وبها يستقيم شؤونهم ومطالبهم.
ومن هنا يظهر أن كنزهما إبطال لقيم الأشياء وإماتة لما في وسع المكنوز منهما من إحياء المعاملات الدائرة وقيام السوق في المجتمع على ساقه، وببطلان المعاملات وتعطل الأسواق تبطل حياة المجتمع، وبنسبة مالها من الركود والوقوف تقف وتضعف.
لست أريد خزنهما في مخازن تختص بهما، فإن حفظ نفائس الأموال وكرائم الأمتعة من الضيعة من الواجبات التي تهدي إليه الغريزة الإنسانية ويستحسنه العقل السليم، فكلما جرت وجوه النقد في سبيل المعاملات كيفما كان فهو، وإذا رجعت فمن الواجب أن تختزن وتحفظ من الضيعة وما يهددها من أيادي الغصب والسرقة والغيلة والخيانة.
وإنما أعني به كنزهما وجعلهما في معزل عن الجريان في المعاملات السوقية والدوران لإصلاح أي شأن من شؤون الحياة ورفع الحوائج العاكفة على المجتمع كإشباع جائع وإرواء عطشان وكسوة عريان وربح كاسب وانتفاع عامل ونماء مال وعلاج مريض وفك أسير وإنجاء غريم والكشف عن مكروب والتفريج عن مهموم وإجابة مضطر والدفع عن بيضة المجتمع الصالح وإصلاح ما فسد من الجو الاجتماعي وهي موارد لا تحصى واجبة أو مندوبة أو مباحة لا يتعدى فيها حد الاعتدال إلى جانبي الإفراط والتفريط والبخل والتبذير، والمندوب من الإنفاق وإن لم يكن في تركه مأثم ولا إجرام شرعا ولا عقلا غير أن التسبب إلى إبطال المندوبات من رأس والاحتيال لرفع موضوعها من أشد الجرم والمعصية.
اعتبر ذلك فيما بين يديك من الحياة اليومية بما يتعلق به من شؤون المسكن والمنكح والمأكل والمشرب والملبس تجد أن ترك النفل المستحب من شؤون الحياة والمعاش والاقتصار دقيقا على الضروري منها - الذي هو بمنزلة الواجب الشرعي - يوجب اختلال أمر الحياة اختلالا لا يجبره جابر ولا يسد طريق الفساد فيه ساد.
المال 2989 وبهذا البيان يظهر أن قوله تعالى: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) * ليس من البعيد أن يكون مطلقا يشمل الإنفاق المندوب بالعناية التي مرت، فإن في كنز الأموال رفعا لموضوع