ولكن استشكل فيه: بأنه لو صح استعمال: " إلا " بمعنى: " لكن " لصح أن يقال:
" ما جاء زيد إلا عمرو " بدل: " ما جاء زيد لكن عمرو "، مع أنه غلط بالضرورة، فيكشف ذلك عن أن: " إلا " لا تستعمل إلا في معنى الاخراج والاستثناء.
وأما توهم كون الاستثناء فيه منقطعا، ففي الحقيقة الاستثناء فيه متصل، ولم تستعمل: " إلا " إلا في معنى الاخراج، ففي مثل: " ما جاء القوم إلا حمارا " ليس المستثنى منه هو القوم فقط بل القوم مع توابعه وشؤونه من دواب وغيرها، فيكون الحمار خارجا حقيقة مما فرض كونه مستثنى منه. ومما يستشهد على هذا المطلب أنه لا يصح أن يراد بالحمار غير حمار القوم.
وإذا ثبت ما ذكر، فلا يمكن أن يفرض كون المراد من الباطل في الآية الباطل العرفي، لعدم صحة الاستثناء منه. ولا الشرعي، لذلك ولعدم معرفته وتشخيصه، بل هو ينتزع من ثبوت الأحكام وعدمها.
وبتعبير آخر: أن الآية في مقام بيان البطلان شرعا، فلا معنى لأخذه في الموضوع. فلا بد من فرض المستثنى منه معنى يشمل المستثنى في حد نفسه، فيقال: إن المراد بالآية: " إنه لا تأكلوا أموالكم بينكم بوجه من الوجوه فإنه باطل إلا التجارة عن تراض "، فيكون قوله بالباطل بمنزلة تعليل الحكم العام وبيان أن كل وجه باطل.
والاستعمالات العرفية على ذلك كثيرة، ففي مقام نهيه عن مطلق الكلام لتأذيه منه بقول المولى لعبده: " لا تتكلم بما يؤذيني " فإنه في مقام النهي عن كل كلام لا في مقام تفصيل الكلام إلى ما يؤذي وما لا يؤذي، ونحو ذلك كثير.
وإذا ثبت أن المراد بالآية الشريفة هذا المعنى ظهرت دلالتها على اللزوم بوضوح، فإن الفسخ يدخل في عموم المستثنى منه لأنه ليس تجارة عن تراض، فيحرم أكل المال بسببه.