وهذا التوجيه متين يتناسب مع تعليل الشيخ (رحمه الله) للحكم بأن له الخيار بعد الثلاثة.
وعليه، فلا وجه لحمل الشيخ كلامه على ما تقدم، إذ الخيار وإن فرض أن عدم القبض شرط فيه إلا أن الشرط هو عدم القبض في الثلاثة لا بعدها. كما لا وجه لإيراد العلامة، إذ بالقبض قبل الثلاثة يلزم البيع لا بعد الثلاثة، فتدبر.
المسألة الثالثة: في بيع ما يفسد من يومه وتأخير الثمن، وقد حرر هذا الفرض في كلمات الفقهاء، وتكلم فيه الشيخ (قدس سره) من جهات عديدة، كثبوت الخيار فيه من أول الليل، وبيان المراد من كلمات الأعلام (قدس سرهم)، ثم إرجاع هذا الخيار إلى خيار التأخير واشتراط جميع شروطه فيه، ثم بيان المراد بالفساد وأنه ليس هو التلف حقيقة بل ما يعم تغير العين، ثم التعرض لحكم فوات السوق خاصة بلا حدوث تغير العين.
أقول: إن مورد هذا الخيار - كبيع البقول - مما يتحقق فيه إقباض المبيع غالبا إما بمباشرة المشتري نفسه ثم يتركه لدى البائع، وإما بواسطة البائع بجعل المشتري له وكيلا عنه في القبض وعزله عن مجموع بضاعة البائع، بحيث يرى البائع أن هذا المال مال المشتري لا يسوغ له التصرف فيه ولا بيعه. وعليه، فلو تلف فلا يضمنه البائع.
ولو فرض أن ليس الغالب فيه القبض، فالغالب فيه هو التمكين من القبض الرافع للضمان كما تقدم. مع أن البيع في مثل هذه الموارد يتكفل على تقدير عدم القبض بحيث يكون تلفه من البائع شرطا ضمنيا بلزوم تسليم الثمن وإلا فسخ البيع وباع السلعة من شخص آخر.
وبملاحظة هذه الوجوه الثلاثة تعرف أن البيع في مثل هذا المورد ليس فيه ضرر وارد على البائع كي يدفع بالخيار، كما أنه يختلف عن خيار التأخير موضوعا لأن موضوع ذلك هو عدم قبض المثمن كما تقدم.
هذا كله، مع أن الضرر الوارد على البائع بتأخير السلعة إلى الليل وكونها في معرض التلف على تقدير مبيتها عنده لا يندفع بالخيار أول الليل، إذ ينقطع البيع عادة في الليل في غالب الأماكن خصوصا في مثل القرى والأرياف وخصوصا في الأزمنة السابقة فإن أسواق المأكولات تفتح عادة في النهار.