فظهر مما ذكرناه أن معنى الصدقة هو البذل والتمليك في وجوه الخير والإعانة والاحسان سواء كان بقصد القربة أم لا.
وهذا المعنى للصدقة معنى عرفي مغفول عنه. وقد كنا لا نستطيع تشخيص مفهوم الصدقة بحيث يباين الهدية ردحا من الزمن. والحمد لله تعالى على ما أنعم وألهم.
ثم إن الخير يختلف باختلاف الأنظار والأديان، فبذل الخمر من قبل المؤمن بالله وبالإسلام لا يكون بنظره بذلا للخير فلا يعد صدقة بخلاف ما لو صدر من غيره. فصرف المال بإزاء المنكر لا يعد بذلا في سبيل الخير.
وبهذا البيان يخرج مثل البيع وإن جئ به بقصد القربة لأنه تمليك وبذل بإزاء العوض لا مجانا. وتخرج الهدية لأنها ليست بتمليك على وجه الخير والإعانة والاحسان، فالمراد من النص المزبور هو ما يساوق الصدقة وهو كل بذل وتمليك مجاني في سبيل الله سبحانه. فلاحظ.
الجهة الثانية: في المراد من قوله: " لا رجعة فيه " ومحتملاته متعددة أيضا.
أحدها: أنه لا يقبل الرجوع إلى من خرج عنه المال بأي وجه من الوجوه حتى بالشراء والهبة وغير ذلك. وتؤيده بعض النصوص التي تشبه الصدقة بالعتق، كما تدل عليه النصوص الدالة بالخصوص على عدم رجوعه له بالشراء ونحوه.
ثانيها: أن يراد به كونه عقدا لازما لو خلي وطبعه، كالبيع في قبال الهبة الجائزة.
فلا ينافيه جعل شرط الخيار فيه لأن اللزوم الطبعي لا يتنافى معه، كما هو الحال في البيع.
ثالثها: أن يراد به أنه لازم بقول مطلق بحيث لا يقبل الفسخ فيكون اللزوم من لوازم ذاته التي لا تنفك عنه.
أما المعنى الأول، فهو لا يمكن الالتزام به وإن أيدته النصوص لأنه خلاف التسالم وسيرة المتشرعة، فإنه لا يتوقف أحد في جواز شراء المتصدق للصدقة إذا باعها الفقير.