والتحقيق: أنه بناء على أن المستفاد من حديث " لا ضرر " هو نفي الحكم الضرري أو الحكم عن الموضوع الضرري، تكون بدائيا شاملة لصحة العقد ولزومه، فإن صحة العقد تستلزم الضرر كما أن لزومه يوجب الضرر.
وبعبارة أخرى: أن الصحة قبل الفسخ وبعده تستلزم الضرر. وهي إن نفت الصحة تنفي اللزوم قهرا لانتفاء موضوعه وذلك يستلزم ترجيح شمولها للصحة ابتداء فلا تشمل اللزوم تخصصا، إذ لو كانت شاملة للزوم دون الصحة كان ذلك تخصيصا لها. وكلما دار الأمر بين التخصيص والتخصص تعين الثاني، فلاحظ.
ومن الواضح أنه لا مرجح من جهة نفس الدليل لأحدهما على الآخر إلا أنه تقول بعدم شموله للصحة لوجهين:
أحدهما: الاجماع القائم على صحة العقد الغبني وعدم بطلانه.
والآخر: هو أن مقتضى ورود نفي الضرر مورد المنة على العباد عدم شموله لصحة العقد لأن بطلان العقد لا منة فيه أصلا للمغبون، بل المنة في جعل اختياره بيد المغبون إن شاء قبل وإن شاء رد. وإذا ظهر أنها لا تشمل الحكم بالصحة كانت شاملة للحكم باللزوم ومقتضاه ثبوت الخيار له وكون أمر العقد بيده. واندفاع الضرر ببذل الغابن تداركا لا ينفع بعد صدق الضرر وتحققه بالمعاملة المستلزم لعدم ثبوت الحكم باللزوم لها.
هذا، ولكن الخيار الثابت ليس على حد سائر الخيارات من كونه حقا يقبل الإرث والاسقاط والنقل، إذ لا تقتضي قاعدة نفي الضرر أكثر من إثبات الجواز ونفي اللزوم، فيكون كالجواز في العقود الجائزة.
ثم إن ما ذكرناه يبتني على مذهب المشهور في مفاد قاعدة نفي الضرر، وأما بناء على ما حققناه تبعا لبعض الأعلام (1) من أن مفاد حديث نفي الضرر هو تحريم الضرر والنهي عنه بلسان النفي، نظير * (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال) * (2)، فلا يثبت سوى حرمة المعاملة الضررية. ولا يخفى أن النهي لا يستلزم الفساد خصوصا