وبالجملة: تبديل المال بالعوض الذي هو فعل الموجب لا يتوقف على القبول في ناحية الإنشاء. وأما قبول هذا التبديل وإنفاذه فهو لا يمكن إلا بعد وقوع التبديل سابقا، لا من جهة التعليق في الإنشاء، فإنه لا يلزم من إنشاء القبول قبل الإيجاب، فإن الإنشاء خفيف المؤنة، فينشأ القبول فعلا وإن توقف منشؤه على أمر متأخر كما في الوصية والتدبير. ولا من جهة التعليق في المنشأ، فإنه لا دليل على بطلانه إلا الاجماع، والاجماع قام على اعتبار التنجيز في مقام التلفظ، لا على اعتباره في واقع المعنى، وإلا لفسد جميع المعاوضات والإيقاعات، لأن البيع يتوقف على الملكية، والطلاق على الزوجية، وهكذا، بل لأن المعنى معنى لا يمكن أن يتحقق في عالم الاعتبار إلا إذا كان متأخرا، فإن المطاوعة لا تتحقق إلا بعد وقوع الإيجاب من الموجب فإذا أريد من النقل الحاصل من (قبلت) ما يكون مرتبطا بفعل غيره وإنشاء التملك ما أعطاه وإنفاذا لما أوجده فقوامه بأن يكون الإيجاب صادرا من غيره قبل ذلك.
وما قيل: من أن الإنشاء خفيف المؤنة، فلا يفيد في المقام، لأنه إذا اعتبر المطاوعة في مفهوم القبول فإنشاؤه بحيث يخرج عن الإيقاع متوقف على وقوع الإيجاب قبل ذلك، وعلى هذا فالقبول في العقود العهدية الغير المعاوضية: كالهبة والرهن أيضا لا بد أن يكون متأخرا ولو كان بغير لفظ (قبلت) كاتهبت وارتهنت، لأنه لو قدم لا يكون إنفاذا لما أوجده غيره، ولا يتضمن نقلا حتى يمكن تقديمه بالهيئة الواردة على المادة المناسبة لهذا الباب.
بل التحقيق أنه لا يجوز تقديم القبول في باب المعاوضات أيضا ولو بالهيئة الواردة على المادة المناسبة لكل باب كاشتريت واستأجرت وتزوجت ونحو ذلك، فإنها وإن لم تتضمن المطاوعة - لأن صيغة التفعل والافتعال والاستفعال ونحو ذلك ليست كصيغة الانفعال ومادة القبول متضمنة للمطاوعة دائما، بل إذا تأخرت عن الإيجاب - إلا أنها من جهة خروجها عن الإيقاع وصيرورتها جزءا من العقد لا بد أن تكون متأخرة، فإن قوله: (اشتريت) لو لم يكن قبولا للشراء