جعل الأحكام مرفوع عنهما، فمقتضى التعليل هو التعدي إلى غير الجنايات، بل يستفاد منه أن الطائفة الثانية والثالثة وردتا لمعنى واحد، وكل منهما مخصوصان بالأفعال القصدية، لا الأفعال التي تكون موضوعات للأحكام بذواتها.
وعلى هذا، فلا وجه لقول المصنف قدس سره: بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الأخبار في قتل المجنون والصبي استظهار المطلب من حديث رفع القلم...
إلى آخره، لأنه بعد ما عرفت من اتحاد معنى الفقرتين لا وجه لاستظهار الاتحاد من هذه الرواية بالخصوص، بل في جميع الروايات الواردة هذه الكلمة يراد منها مع قطع النظر عن معناه الكنائي رفع فعله القصدي، فإن معنى رفع قلم الأحكام هو:
أن عمدهما خطأ، فإن اشتراكه مع المجنون في رفع القلم عنه وكون عمده خطأ يقتضي أن يكون المرفوع هو الفعل القصدي.
ثم لا يخفى أنه لا وجه لتقدير المؤاخذة ثم تعميمها للآثار الأخروية والدنيوية فإن المؤاخذة بناء على لزوم تقديرها ظاهرة في العقوبة الأخروية. ثم لا وجه لأحتمال العلية والمعلولية كليهما في رفع القلم فإن الظاهر منه كونه علة لأنه أعم موردا من قوله: (تحمله العاقلة)، والعلة بمنزلة الكبرى الكلية، والحكم المعلل بمنزلة الصغرى. وجعله معلولا لقوله عليه السلام: (عمدهما خطأ) لا يستقيم لأنهما: إما متحدان معنى بناء على أن يكون المراد من رفع القلم رفع الأفعال القصدية، وإما يناسب العلية لو كان المراد الأعم منها ومن غيرها.
وبالجملة: وإن أجاد المصنف قدس سره فيما أفاد من أن المرفوع عن الصبي هو الأحكام المترتبة على الأفعال بعنوانها القصدي، لا الأحكام المترتبة على الأفعال التي بذاتها موضوعات لها لظهور الخبر في أن الصبي كالمجنون، إلا أنه لا وجه لالتزامه بتعلق الرفع بالمؤاخذة، ثم تعميمها للآثار الدنيوية، ثم تمسكه بإطلاق الرفع لما إذا صدر الفعل عن الصبي بإذن الولي فإن التمسك بالإطلاق في هذا المقام من الغرائب على مذهب من اختار من أن التقابل بينه وبين التقييد تقابل العدم والملكة، فإنه لو كان المراد من الرفع رفع الأثر رأسا وإن فعله كالعدم وقصده