الخلاف الاختلاف في ما يستفاد من الكتاب والسنة:
أما الكتاب: فهو قوله عز من قائل: ﴿وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم﴾ (١) فإنه يمكن أن يكون قوله: (فإن آنستم) تفريعا على الابتلاء، أي اختبروهم قبل البلوغ من زمان يمكن رشدهم فيه إلى زمان البلوغ، فإن آنستم منهم الرشد في خلال هذه الأزمنة فادفعوا إليهم أموالهم. فعلى هذا يكفي الرشد لنفوذ تصرفهم ولو لم يبلغوا.
ويمكن أن يكون تفريعا على الامتحان بعد البلوغ، أي امتحنوهم من زمان قابليتهم للامتحان إلى زمان البلوغ، فإذا بلغوا راشدين فادفعوا إليهم أموالهم، والظاهر هو الثاني.
أما أولا: فلأنه سبحانه لما أمر بإيتاء الأيتام أموالهم بقوله عز شأنه: ﴿وآتوا اليتامى أموالهم﴾ (٢) ونهى عن دفع المال إلى السفيه بقوله: ﴿ولا تؤتوا السفهاء أموالكم﴾ (3) بين الحد الفاصل بين ما يحل ذلك للولي وما لا يحل، فجعل لجواز الدفع شرطين: البلوغ وإيناس الرشد فلا يجوز قبلهما.
وثانيا: لو لم يكن قوله: (فادفعوا) تفريعا على إحراز الرشد بعد البلوغ لم يكن وجه لجعل غاية الابتلاء هو البلوغ، وكان المناسب أن يقال: وابتلوا اليتامى فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم.
ولا يقال: لو كان المدار على الرشد والبلوغ لا وجه لإيجاب الامتحان قبل البلوغ، فإن ظاهر كلمة (حتى) أنها غاية للامتحان، فلا محالة يكون مبدؤه قبل البلوغ.
لأنا نقول: إيجاب الامتحان قبله إنما هو لإحراز الرشد حتى تدفع إليهم أموالهم بمجرد البلوغ، ولا يكون الولي ممن يأكل أموالهم إسرافا وبدارا أن يكبروا، فإن الأولياء لو أمروا بالامتحان مقارنا للبلوغ يحتمل أن يكون رشد