حتى يقال: يعقل تمليك الانسان مال غيره بعوض يملكه بإزائه كما يعقل تمليك ماله بعوض يملكه غيره، بل لبيان حقيقة البيع وهو تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله، فإذا كان في المثمن أحد طرفي الإضافة مالكه والطرف الآخر هو المثمن وكان في طرف الثمن أيضا كذلك فلا بد أن يقوم العوض مكان المعوض في الطرفية، ولازمه أن يصير مالك المعوض مالكا للعوض، وبالعكس، فلا يعقل أن يقع التمليك من غير المالك ويقع العوض ملكا لهذا الغير، ولا يعقل أن يقع التمليك من المالك بعوض يملكه غيره مع أن المعاملة مجانية بالنسبة إلى الغير الذي أخرج منه المال في المثال الأول والمالك في المثال الثاني وإن لم يخرج المال مجانا وبلا عوض.
وبالجملة: لا يمكن أن تقع المعاملة بين ثلاثة أشخاص أو أربعة بأن يخرج المتاع من ملك زيد والعوض من عمرو، ويملك بكر العوض أو المعوض، أو يملك بكر العوض وخالد المعوض بدون دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوض وبالعكس لا يمكن أن يكون بيعا، بل هذا حال سائر المعاوضات أيضا فإن حقيقتها تقتضي أن يكون طرف العقد ومن يقام به المعاوضة مالكا للعوض، فإن في المصالحة بين اثنين أو غيرها من العقود تقتضي أن يكون المتعاقدان طرفي الإضافة، فلو صالح عن ماله زيدا على أن يكون عوضه الذي هو مال زيد لعمرو يكون الصلح باطلا، إلا أن يكون بنحو الاشتراط الذي لازمه مالكية المشترط الشرط على المشروط عليه دون عمرو. فالمعاوضة بين اثنين تقتضي أن يكون الأجنبي أجنبيا، وعلى هذا فيلحق بالبيع الهبة، لتوقفها على الملك، حتى صار قولهم: (وهب الأمير ما لا يملك) من الأمثال، وهكذا الصلح ونحوه من المعاوضات فإنها في حكم البيع في اقتضائها دخول العوض، شرطا كان أو مالا، أو سائر الاعتبارات العقلائية في ملك من يخرج المعوض عن ملكه.
نعم، شبه المعاوضات كالنكاح والخلع لا يقتضي ذلك، فيصح أن يكون الصداق من غير الزوج، وهكذا يصح أن يكون البذل من غير الزوجة، إلا أنه في