قيام الخبر المتواتر، أو يكون في صورة جاهلا مقرونا بالعجز، وفي أخرى جاهلا محضا، يصح الاستناد إلى الخبر المذكور على البراءة بنفس الجهالة بالحكم، سواء كانت جهالة مقرونة بالغفلة الموجبة للعجز عن الاحتياط، أو الجهالة غير المقرونة به، كما في الجاهل الملتفت.
ودعوى: أن الخبر يدل على أن المفروض فيه الجاهل الغافل لا الملتفت (1)، غير مسموعة بعد التعليل الصريح في أن إحدى الجهالتين أهون من الأخرى، فإن الأهونية المذكورة فيه لا تمكن إلا في صورة الغفلة، وأما الهينية التي في مقابل أفعل التفضيل، فهي في صورة عدم الغفلة، فالجهل فيه أعم بالضرورة، وتصير النتيجة معذورية الجاهل بالحكم أو الموضوع ولو كان عن التفات.
وتندفع المشكلة الأولى - وهي أن الجهالة إن كانت بمعنى الغفلة، ففي الصورتين يعجز عن الاحتياط، وإن كانت بمعنى الجهل المقرون مع الالتفات، ففيهما يتمكن من الاحتياط -: بأن الجهالة هي الأعم، فلا معضلة.
ولو شئت تقول: إن هنا إشكالا على التقادير المختلفة، وذلك أن " الجهالة " إن كانت هي الغفلة فلا يتم التعليل، وإن كانت هي الجهل فلا يعذر فيما إذا كان قبل الفحص، ولا تبقى الجهالة بعد الفحص، ضرورة أن الجهالة بالحكم، ترتفع قطعا بالفحص بالنسبة إلى ذلك الحكم الواضح، وبالموضوع أيضا عادة.
هذا مع أن في صورة الجهل بالموضوع، لا يستند العذر إلى الجهالة، لأنه إن كان يعلم: بأنها لم تكن في العدة، فالاستصحاب محكم، وإن كان يعلم: أنها في العدة، فأيضا يجري الاستصحاب.
وإن كان لا يعلم الحكم الوضعي، فهو كالحكم التكليفي في عدم بقاء الجهالة بعد الفحص، وعدم عذريتها قبله، وهكذا فيما إذا لم يعلم: بأن مقدار العدة أي مقدار؟