وكانت الشبهة حكمية - مثلا لو فرض - لما كانت البراءات الثلاث جارية.
ويمكن دعوى جريان البراءة اللفظية، لأجل أن مفاد حديث الرفع نفي المنشأ للعقاب، وهو الحكم الواقعي، وأما نفي العقاب والتنجيز، فلا يمكن إلا برجوعه إلى البراءة العقلية، وأنه إذا كان العقاب بلا بيان قبيحا، فالعقاب مع البيان على خلاف الحكم الواقعي، يكون أقبح عقلا، وفي موارد البراءة اللفظية يكون سندها البراءة العقلية بالمعنى الأخير، فافهم وتدبر جيدا، وتأمل، فإنه حقيق به جدا.
وإن شئت قلت: العقاب قبيح وممتنع على المولى في مورد كان له المرام الجدي، ولم يصل البيان، وفي مورد وصول البيان ومخالفته للواقع، وفي مورد وصول البيان وموافقته للواقع، وفي موارد الرفع بحديث الرفع.
وبالجملة: يجمعها أن العقاب جزافا ممتنع وقبيح، ولا يختص بالمورد الأول، ولا يأمن الانسان من العقاب عقلا إلا بذلك، سواء وصل البيان على عدم العقاب، أو على عدم التكليف، لإمكان صدوره في الموردين، كما في مورد عدم البيان، فما دام لم ينسد هذا الإمكان لا يحصل الأمان، فالبراءة اللفظية من غير كونها متكئة أو مستندة إلى العقلية، لا أساس لها.
نعم، بعد اعتضادها بالبراءة العقلية، يتمسك باللفظية والشرعية لرفع مناشئ العقاب، كالتكليف والوضع، كما مر في محله (1).
ونتيجة هذا البيان، عدم جواز التفكيك بين البراءة الشرعية والعقلية، بإجراء الأولى دون الثانية، لأن حقيقة البراءة في الثانية، ترجع إلى المعنى الأعم، وما مر في هذا الكتاب من التفكيك (2)، فهو في غير محله، أو محمول على التسامح.