تحقيق وإفاضة إذا كان جريان البراءات الثلاث، ممنوعا في موارد الشبهات المهتم بها، فلمنع جريانها في الشبهات البدوية وجه، لاحتمال كونها من الأمور المهتم بها الخارجة لبا عن مصب القاعدة العقلية، وإذن فيما نحن فيه فمنع جريان البراءة العقلية والعقلائية واضح، لأن العقل يدرك لزوم الأمن من العقاب، وهو لا يحصل إلا في موارد القطع بعدم كون الشبهة مما يهتم بها. هذا بالنسبة إلى البراءتين: العقلية، والعقلائية.
وأما البراءة الشرعية، فهي وان كانت لفظية، فتجري في موارد الشك، لأن الخارج لبا عن إطلاقها، لا يضر بصحة التمسك به عند الشك والشبهة، ولكن قد عرفت منا: أن البراءة الشرعية بما هي هي، لا أساس لها إلا بالنسبة إلى مناشئ العقاب، كالأحكام التكليفية، أو الوضعية (1)، وأما بالنسبة إلى العقاب ولزوم القطع بالأمن، فلا معنى لجريانها، لأن جعل حجية الخبر الواحد والظواهر، لا ينافي تخلفها عن الواقع، فلا يحصل القطع بالأمن من العقاب بالدليل اللفظي، ما دام لم يرجع إلى العقل المدرك لقبح العقاب وامتناعه مع قيام الدليل على البراءة لفظا، فالبراءة اللفظية بالنسبة إلى التأمين من العقاب، لا أصل لها ما دام لم تنضم إليها البراءة الشرعية، ونتيجة هذه الشبهة هو الاحتياط على الإطلاق، ولا سيما فيما نحن فيه.
ولو أمكن دفع الشبهة في مطلق الشبهات البدوية، نظرا إلى كشف عدم الأهمية بعدم وصول البيان من الشرع، وعدم اتضاحها، ضرورة أنها لو كانت مما يهتم بها لكان يصل إلينا ذلك الحكم، لا يمكن ذلك فيما نحن فيه بعد تراكم هذه الأمور الموجهة للاهتمام الاحتمالي، فلو دار المحذوران بين الحرمة التي هي من الكبائر لو كانت واقعية، وبين الوجوب الذي يكون تركه من الصغائر إذا أصاب،