والعقلائية، ولا سبيل إلى الحكم بالتخيير:
أما عدم صحة الحكم بالتخيير، فلأنه خارج عن محط أخبار التخيير، كما هو المفروض، ولا معنى لأن يحكم العقل بشئ، كما تحرر. ودرك العقل التخيير (1) غير صحيح إلا بمعنى درك الاختيار، ضرورة أن درك التخيير منوط بالاطلاع على الواقعيات، فلو كان هو واجبا مثلا، فهو مطلوب منه الفعل بحسب الواقع ونفس الأمر، فكيف يعقل درك التخيير الواقعي؟!
ولو أريد منه أنه يدرك التخيير الظاهري، لأجل عدم صحة العقوبة، فهو أيضا غير صحيح، فإن العقل قبل أن يدرك التخيير، يدرك امتناع العقوبة عليه تعالى في الواقعة المذكورة، لأجل امتناع الاحتياط عليه وعجزه، فلا يدرك التخيير مستقلا إلا بدرك امتناع العقاب.
ومن هنا يظهر وجه عدم جريان البراءة العقلية والعقلائية، أي قاعدة قبح العقاب بلا بيان، لأنه قبل أن تجري هنا تلك القاعدة، تجري قاعدة عقلية أخرى هنا: وهي امتناع عقاب العاجز، لأنه أيضا قبيح، وهو أيضا ممنوع عند العقلاء بالضرورة، فلا تجري البراءة المذكورة.
نعم، لو أريد من " البراءة العقلية " معنى أعم من مفاد تلك القاعدة فهو، ولكنه خلاف مرامهم هنا، كما لا يخفى.
فتحصل على هذا: أن في موارد التساوي، لا فرق بين التعبديات والتوصليات - كما عرفت - من جميع الجهات، وإذا كان المفروض عدم إمكان التكرار - كما في موارد الشك والشبهة في وجوب الصوم غدا وحرمته، أو وجوب ذبح شاة غدا، لأمر الوالد، أو حرمته، لنهي الوالدة - لا تجري البراءة العقلية، ولا العقلائية، ولا معنى لحكم العقل بالتخيير، ولا دركه التخيير الواقعي أو الظاهري، فيسقط ما في كلام