ودعوى: أن مقتضى ما أشير إليه - من استحقاقه على المقدار المعلوم، ولكن يمتنع عقابه على المولى العادل - أن العقل يحكم بالتنجيز، لكفاية لزوم الاستحقاق على المقدار المعلوم في تنجيزه، بعد وجوب كسب المؤمن على الاحتمالين الأولين، غير تامة وإن ذكرناها آنفا، وذلك لأن الاستحقاق على المقدار المعلوم إذا كان الواقع زائدا ممنوع، لما لا يمكن تعيين ما يستحق عليه، فاغتنم.
ثالثها: أن مجرد العلم الاجمالي بمقدار مبغوض في الاسلام، غير كاف، لإمكان أن لا يكون المبغوض مورد النهي، نظرا إلى مصلحة التسهيل، وعدم وجود شرط الإجراء والتبليغ، فما هو المبغوض للمولى وإن كان واجبا اجتنابه، إلا أن في مرحلة الثبوت يجوز اختلاف أقسام المبغوض، وفي موارد الشك في النوع الخاص منه، أيضا لا يؤثر العلم، ومدعي العلم الاجمالي لا يدعي العلم بالمبغوض، كما هو الواضح.
وأما العلم الاجمالي بوجود تكاليف تحريمية فالحق: أنه إن كان المقدار المعلوم في الطرق الواصلة، فيكون منجزا، كما هو رأي الأصولي بالضرورة.
وأما العلم الاجمالي بوجود التكاليف الأعم من الواصلة وغير الواصلة، فلا يصلح للتنجيز، ضرورة أن حقيقة التكليف والبعث لأجل إيجاد الداعي، أو للبعث نحو المادة، وإذا لم يكن واصلا إلى المكلفين في عصرنا، وغير واصل إلى عصر الظهور، لا يعقل فعليته، وما لا فعلية له لا تبعة له، وما لا تبعة له لا يكون العلم الاجمالي مفيدا ومؤثرا بالضرورة.
وبالجملة: مجرد إبلاغ الحكم بتوسط الرسول الأعظم وتحريم شئ، غير كاف لبقاء الحرمة أبدا، بل الحرمة تزول عند انعدام الدليل، لما لا يعقل بقاء الإرادة الجدية الباعثة مع عدم إمكان الانبعاث دائما، فعلى هذا لا يؤثر العلم المذكور حتى