نهاية الدراية في شرح الكفاية - الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهانى - ج ١ - الصفحة ٣٦٢
يعارض أصالة إطلاق الهيأة والوجه فيه أن أحد تقديري العلم بتقييدها بما هي واجبة فكيف يعقل سلامة إطلاق الهيأة فإنه يلزم من وجوده عدمه.
ثانيها أن إطلاق الهيأة شمولي وإطلاق المادة بدلي والإطلاق الشمولي مقدم على الإطلاق البدلي وهذا وأن نسبه صاحب التقريرات إلى شيخه العلامة الأنصاري - قده - إلا أن المعروف منه - قده - كما في رسالة التعادل والترجيح تقديم العام على المطلق لكون ظهور الأول تنجيزيا لأنه بالوضع وكون ظهور الثاني تعليقيا لكونه بمقدمات الحكمة وإن التعليقي لا يعارض التنجيزي وهذا غير تقديم المطلق الشمولي على المطلق البدلي، إلا أنه ربما يوجه بما حاصله: أنه لابد في الاطلاق البدلي زيادة على كون المولى في مقام البيان وعدم نصب القرينة إحراز تساوي الافراد البدلية في ترتب الغرض عليها بخلاف الاطلاق الشمولي فان تعليق الحكم على عدم الطبيعة كاف في ذلك لأن عدم الطبيعة عقلا بعدم جميع أفرادها فإذا ورد أكرم عالما ولا تكرم فاسقا صح أن يكون الثاني بيانا لعدم تساوي أفراد الأول في الغرض دون العكس لان نفس تعليق الحكم على عدم الطبيعة كاف في ذلك وهو غير معلق على بيان عدم التساوي ليقال بكفاية الإطلاق البدلي وإلا لزم الدور.
وبالجملة المطلق الشمولي صالح في ذاته للمانعية إلا بعد سقوط الشمولي عن الصلاحية عن المانعية والجواب أما أولا فبأن كلتا المقدمتين غير صحيحة أما توقف إحراز تساوي الأفراد في الغرض في المطلق البدلي على أمر آخر فنقول: أن مقتضى ملاحظة طبيعي العالم لا بشرط أي غير مقترن بالعدالة والفسق وجودا وعدما كون كل خصوصية لغرض غير دخيلة في الغرض وجودا وعدما وهو منشأ حكم العقل بالتخيير في المطلق البدلي وأما اقتضاء تعليق الحكم على عدم الطبيعة سراية الحكم إلى جميع إعدامها فهو وإن كان كلاما مشهوريا حيث يقال أن وجود الطبيعة بوجود فرد منها وعدمها بعدم جميع أفرادها إلا أنه بلا وجه فان العدم فبديله عدمه بالخصوص وإذا فرض الوجود بحيث لا يشذ عنه وجود فبديله العدم المطلق الذي لا يشذ عنه عدم وعليه فكل من المطلق الشمولي والبدلي صالح لتقييد الآخر من حيث نفسه من دون توقف على عدم الآخر.
وأما تقديم العام على المطلق ففيه تفصيل تعرضنا له إجمالا في البحث عن المطلق والمقيد ومفصلا في التعادل والترجيح.
وأما ثانيا فبأن ما ذكر في مثل لا تكرم فاسقا وأكرم عالما لو صح من حيث تعليق الحكم على عدم الطبيعة لا ربط له بما نحن فيه من حيث إطلاق الوجوب وشموله لجميع التقادير ولا ينحصر المطلق الشمولي في مثل تعليق الحكم على عدم الطبيعة.
وأما ثالثا فما ذكر لو صح لصح في ظاهر من متنافيين يكون أحدهما معلقا على عدم الآخر ظهورا أو حجية لا في مثل ما نحن فيه فان إطلاق الهيئة والمادة متلائمان ولا قاعدة تقتضي إرجاع القيد إلى الظاهر دون الأظهر أو إلى ما يتوقف على عدم الاخر لو كان منافيا له فتدبر.
ثالثها أن تقييد الهيئة وإن لم يستلزم تقييد المادة لكنه يستلزم إبطال الآخر، أما أنه يستلزم تقييد الهيئة إبطال إطلاق المادة فلان من مقدمات إطلاقها عدم بيان القيد للزوم نقض الغرض لو كان المقيد مرادا مع عدم بيان القيد وإذا لم يقع المادة إلا مقترنا بالقيد لفرض تقييد الهيئة فلا يلزم من عدم بيان قيد المادة نقض للغرض.
وأما أن الترجيح لتقييد المادة دون تقييد الهيئة فلان تقييد المادة مستقلا رفع الإطلاق ولازم تقييد الهيئة دفع الإطلاق، ودفعه كرفعه مسقط للاطلاق في حد نفسه عن الحجية فهو خلاف الأصل بهذا الاعتبار والجواب أن كلتا المقدمتين ممنوعة:
وأما المقدمة الأولى فلان تقييد المادة في فرض تقييد الهيئة محال للزوم الخلف وإذا استحال ثبوتها فلا وجه لاستكشاف الإطلاق من عدم تقييدها في مقام الاثبات حتى يقال أن تقييد الهيئة لا يبقي مجالا لبيان القيد إذا كان المقيد مرادا واقعا حيث عرفت أن إرادة المقيد محال، وبهذا يفترق عما ذكرناه في تقريب الوجه الأول فإنه لا يستلزم تقييد المادة في مرتبة موضوعيتها ولا إبطال إطلاقها بل تقييد قهري في مرتبة مطلوبيتها ولذا يرجع في نفيه إلى إطلاق الهيئة لا إلى إطلاق المادة.
وأما المقدمة الثانية فلأن الإلتزام بالمطلق والجري على وفق ظهوره لازم وهو معنى كونه أصلا وأما الالتزام بعدم كونه أصلا وأما الإلتزام بعدم المانع عن انعقاد الإطلاق بعدم تقييد الهيئة فهو غير لازم والمفروض أنه لا شأن للازم تقييد الهيئة إلا عدم وصول النوبة إلى صيرورته مطلقا فتبين أنه ليس دفعه كرفعه هذا.
أقول: لا يخفي أن مورد الكلام هو القيد المنفصل فان المتصل يوجب إجمال الكلام لفرض إجمال القيد من حيث الرجوع إلى الهيئة أو المادة فلا ينعقد ظهور إطلاقي ليتمسك بأصالة الإطلاق وإذا تمحض الفرض في القيد المنفصل فأما ان يورد القيد قبل وقت الحاجة فمعه لا ينعقد ظهور إطلاقي فالمقيد وما هو بمنزلته كلاهما دافع للاطلاق ومانع عن انعقاد الظهور، وأما أن يرد بعد وقت الحاجة فالظهور الإطلاقي على أي حال منعقد وكما أن إرادة المقيد مع احتمال التقييد خلاف الظاهر المستقر ظهوره فلا يعتنى به كذلك إرادة المقيد تعويلا على عدم نقض الغرض من عدم التقييد خلاف الظاهر فالعمدة في الجواب نفي المقدمة الأولى مع ما ذكرناه في الجواب عن الوجهين المتقدمين (منه).