نهاية الدراية في شرح الكفاية - الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهانى - ج ١ - الصفحة ٢٠١
وأما الثالث: فبيانه أن الإرادة من الممكنات فلابد من استنادها إلى الإرادة الواجبة بالذات فليس فعل العبد بإرادته حيث لا تكون إرادته بإرادته، وإلا لتسلسلت الإرادات. وفيه أن الفعل الاختياري ما كان نفس الفعل بالإرادة (1) لا ما
١ - توضيح المقام وتنقيح المرام يبتنى على مقدمة هي أن الفاعل باعتبار ينقسم إلى ما منه الوجود وإلى ما به الوجود والمراد بالأول من يفيض عنه الوجود وهو بذاته مفيد الوجود وهو منحصر في واجب الوجود تعالى شأنه، والمراد بالثاني من يباشر الفعل الذي يفاض على الوجود ويكون مجرى فيض الوجود فيمر فيض الوجود منه إلى غيره وهو منحصره في غيره تعالى لاباء صرافة وجوده عن الاتحاد مع الممكنات ليكون مباشر الحركات ومعدا لجميع المستعدات. وينقسم الفاعل باعتبار آخر إلى الفاعل بالطبع، وإلى الفاعل بالقسر، وإلا الفاعل بالاختيار: والمراد بالأول ما يكون الفعل باقتضاء طبيعته وذاته من دون شعور وإرادة كما في الاحراق من النار، والمراد بالثاني ما يكون الفاعل بالإضافة إلى الفعل كالموضوع لعرضه وبالحقيقة يكون فاعله غيره فان من يحرك يد غيره يكون مباشر التحريك هو الفاعل ومن يتحرك يدها يكون محلا للحركة لا فاعلا لها إلا بنحو من المسامحة، والمراد بالثالث من يكون صدور الفعل منه منوطا بعلمه وقدرته وإرادته فتكون العلم والقدرة والإرادة مصححات فاعليته بالفعل إذا عرفت ذلك (فاعلم) إنه إن كان المراد من انتهاء الفعل إلى إرادة الباري تعالى بملاحظة انتهاء إرادة العبد إلى إرادته تعالى لفرض امكانها المقتضى للانتهاء إلى الواجب فهذا غير ضائر بالفاعلية التي هي شأن الممكنات فان العبد بذاته بصفاته وبأفعاله لا وجود لها إلا بإفاضة الوجود من الباري تعالى ويستحيل أن يكون الممكن مفيضا للوجود، وإن كان المراد من الانتهاء انتهاء الإرادة إلى الباري تعالى على حد انتهاء الفعل إلى فاعل ما به الوجود فهو مستحيل في حقه تعالى حتى يلزم الجبر وبالجملة الانتهاء إلى فاعل ما منه الوجود لازم لا أنه ضائر والانتهاء إلى فاعل ما به الوجود ضائر إلا أنه غير لازم بل مستحيل (فاتضح) أن جوع الفاعل بالإرادة إلى الفاعل بالجبر والقسر محال لاستحالة أن يكون الباري تعالى فاعل ما به الوجود بالإضافة إلى ذات العبد أو صفاته أو أفعاله بل بالإضافة إلى الكل هو تعالى فاعل ما منه الوجود ولا يترقب من الممكن أن يكون فاعلا بهذا المعنى حتى لا يلزم الجبر وهذه الشبهة هي العمدة في القول بالجبر وأما رجوع الفاعل بالإرادة إلى الفاعل بالطبع (فنقول) بعد وضوح أن الفعل يستند إلى الفاعل كالإحراق بالنسبة إلى النار لم يبق وجه للرجوع إلا توهم أن الفاعل المختار لابد من أن يكون فاعلا لشرائط الفاعلية ما به الوجود وإلا لكان نظير فاعل بالطبع وإن لم يكن عينه للزوم الخلف (وهو توهم فاسد) إذ يستحيل أن يكون الإنسان فاعلا لشرائط الفاعلية إلا بالطبع ولو بالآخرة لاستحالة التسلسل (لا يقال) لازمه أن لا يكون فعل اختياري في العالم وهو لا محذور فيه إذ القائل بالجبر يدعى هذا المعنى أيضا (لأنا نقول أولا) أنه قد عرفت أن هذا غير الجبر لاستحالة انتهاء الفعل وشرائطه الفاعلية إليه تعالى بهذا الوجه من الفاعلية الضائرة بالاختيار (وثانيا) ليس الأثر المرغوب لكون الفعل اختياريا في قبال غيه إلا حسن التكليف والمؤاخذة وليس هذا الأثر من الأحكام العقلية النظرية حتى يقام عليه البرهان بل من الأحكام العقلية العملية ومن البين أن مناط الحسن والقبح عند العقلاء، هو الفعل الصادر عن شعور، وقدرة وإرادة وهو حقيقة وواقعا مغاير للفعل الصاد بقسر القاسر وللفعل الصادر عن محض الطبع بحيث لو فرض الإلتزام بعدم المبدء للموجودات وفرض استقلال الإنسان في أفعاله بأن كان مفيدا لوجودها لم يكن صفاته التي هي شرائط إفاضة الوجود منه عليها إلا طبيعية ومع ذلك يحكمون بحسن التكليف والمؤاخذة بالإضافة إلى الفعل الصادر من فاعله عن شعور وقدرة وإرادة دون غيره سواء كان بالقسر والجبر أو بالطبع وباقتضاء ذاته يفرقون بين فاعلية النفس لا فعاله الصادرة عن شعور وقدرة وإرادة وفاعليتها لحفظ المزاج وإفادة الحرارة الغريزية فإنها طبيعية والنفس فاعل بالطبع لمثل هذه الأفعال دون الأولى. (منه).