ومنه يظهر أن قيام الكلام اللفظي بالنفس قياما علميا لا دخل له بالكلام النفسي لأن ماهية الكيف المسموع كماهية الكيف المبصر في أن لها نحوين من الوجود، هذا إذا كان القائل بالكلام النفسي يدعى أن سنخه سنخ الماهيات وإن كان يدعى أن سنخه سنخ الوجود فهو على التحقيق المحقق عند أهله في محله معقول وإن لم يتفطن له الأشعري إلا أن مدلوليته للكلام اللفظي غير معقول.
أما أصل معقوليته فالوجدان الصحيح شاهد على ذلك كما في إيقاع النسبة الملازم للتصديق المقابل للتصور، فان صورة [إن هذا ذاك] مطابقان لما في الخارج، وناظرا إليه تصديق داخل في العلوم الانفعالية لانتعال النفس، وتكيفها بالصورة المنتزعة من الخارج، ونفس [هذا ذاك] من دون نظر إلى صورة مطابقة له في الخارج من موجودات عالم النفس ونسبة النفس إليه بالتأثير والايجاد لا بتكيف والانفعال وحقيقته وجود نوري قائم بالنفس قياما صدوريا، وهو المراد بالعلم الفعلي في قبال أفعالي، ومنه الأحاديث النفسانية فان الوجدان أصدق شاهد على أن نسبة النفس إليها بالايجاد والتأثير، ونفس وجودها الحقيقي عين حضورها للنفس، بل هذا حال كل معلول بالنسبة إلى علته حيث أن وجوده عن إرتباط به، وهو أفضل ضروب العلم إذ ليس العلم إلا حضور الشئ، وأي حضور أقوى من هذه الحضور. فتوهم انحصار موجودات عالم النفس في الكيفيات النفسانية بلا وجه بل التحقيق أن نسبة النفس إلى علومه مطلقا نسبة الخلق والايجاد.
قال: أمير المؤمنين عليه السلام " كلما ميز تموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق لكم مردود إليكم (1) وإلى ما ذكرنا في تحقيق هذا الوجود النوري الخارج