كتاب الجنايات القتل للمؤمن ظلما من أعظم الكبائر قال تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا أليما و عن الصادق عليه السلام وجد في ذوابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة فإذا فيها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم ان أعتى الناس على الله يوم القيمة من قتل غير قاتله وضرب غير ضاربه وعنه عليه السلام في رجل قتل رجلا مؤمنا قال يقال له مت أي ميته شئت ان شئت يهوديا وان شئت نصرانيا وان شئت مجوسيا وعنه عليه السلام لا يدخل الجنة سافك الدم ولا شارب الخمر ولا مشاء بنميم وعن النبي صلى الله عليه وآله والذي بعثني بالحق لو أن أهل السماء والأرض شركوا في دم امرئ مسلم ورضوا به لأكبهم الله على مناخرهم في النار وقال على وجوههم وسئل أبو جعفر عليه السلام عن قوله تعالى من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا؟ ويوضع في موضع من جهنم إليه ينتهي شدة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعا كان انما يدخل ذلك المكان قيل فان قتل اخر قال يضاعف عليه ويتعلق به القصاص أو الدية والكفارة فهنا قطبان في القصاص والدية ما تعلق منهما بالنفس و بالاطراف وخاتمة في الكفارة الأول في القصاص وفيه بابان الأول في قصاص النفس وفيه مقاصد ثلاثة الأول في القاتل أي فعله الموجب للقصاص وفيه فصول ثلاثة الأول في حقيقة الموجب للقصاص وهو اتلاف النفس المعصومة شرعا لمكافئة القاتل في الأوصاف الآتية أو العليا في بعضها عمدا ظلما وكان يعني عنه المعصومة فان من يقتل عمدا غير مظلوم وغير معصوم وقد يقدر بأنه لا خراج قتل الصبي والمجنون الذين يصح منهما القصد ويحمل العصمة على الذاتية والذي يظهر مما سنذكره من الظلم أن لا يستحق القتل بالنسبة إلى القاتل خاصة و بالعصمة أن لا يستحقه مطلقا مباشرة أو تسبيبا منفردا أو بالشركة فلو قتل غير معصوم الدم كالحربي والزاني المحض والمرتد وكل من أباح الشرع قتله فلا قصاص وان اثم في بعض الصور وكذا لو قتل غير المكافي له كالمسلم يقتل الذمي والحر العبد والأب الابن ويثبت القصاص في العكس ولذا زدنا العليا ولو قتل معصوما مكافيا خطأ أو شبيه عمدا فلا قصاص ولو قتله عمدا غير ظلم كالمدفوع عن نفسه أو ماله أو حريمه وكالمقتول قصاصا فلا قصاص وأقسام القتل ثلثه عمد محضا (محض) وخطأ محض وقد شبه الخطأ خلافا لمالك فحضرة في العمد المحض والخطأ المحض وجعل عمد الخطا عن العمد وأوجب فيه القود فالعمد المحض هو مناط القصاص وهو أن يكون الجاني عامدا في قصده وفعله جميعا ويتحقق بقصد البالغ العاقل إلى القتل بما يقتل غالبا قطعا أو نادرا على الأقوى وفاقا لابن الحمزة والمحقق لأنه قتل متعمدا في القصد والفعل ولنحو قول الصادق عليه السلام في خبر الحلبي ان العمد كل من اعتمد شيئا فأصابه بحديده أو بحجر أو بعصى وكزه فهذا كله عمد والخطأ من اعتمد شيئا فأصاب غيره وفي خبر أبي بصير لو أن رجلا ضرب رجلا بخرقة أو آجرة أو بعود فمات كان عمدا وفي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج ان من عندنا ليقيدون بالوكزة وانما الخطا ان يريد الشئ فيصيب غيره وخبر أبي العباس سئله عليه السلام عن الخطا الذي فيه الدية أو الكفارة هو أن يعقد ضرب رجل ولا يعتمد قتله قال نعم وقول أحدهما عليه السلام في مرسل جميل قتل العمد كل ما عمد به الضرب ففيه القود وانما الخطاء أن يريد الشئ فيصيب غيره وظاهر الأكثر انه (ليس بعمد) إذ لما لم يكن الآلة مما يقتل عادة فمجامعة القصد معها كالقصد بلا ضرب وللاحتياط ولنحو خبر أبي العباس سئل الصادق عليه السلام رمى الرجل بالشئ الذي لا يقتل مثله قال هذا خطأ قال والعمد الذي يضرب بالشئ الذي يقتل بمثله وقوله عليه السلام في مرسل يونس ان ضرب رجل رجلا بالعصى أو بالحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلم فهو شبيه العمد والدية على القاتل وان عداه والخ؟ عليه بالعصى أو بالحجارة حتى يقتله فهو عمد يقتل به وان ضربه ضربة واحدة فهو عمد يقتل به فتكلم ثم مكث يوما لو أكثر من يوم ثم مات فهو شبه العمد ويمكن حملها على من لم يقصد القتل أو قصده إلى الفعل الذي يحصل به القتل غالبا مع علمه بذلك وان لم يقصد القتل فان قصد السبب مع العلم بالسببية قصد للمسبب بل يكفي قصد ما سببية معلومة عادة وان ادعي القاتل (الجهل صح) فإنه لو سمعت دعواه بطلت أكثر الدماء إما لو قصد إلى الفعل الذي يحصل به الموت وليس قاتلا في الغالب ولا قصد به القتل كما لو ضربه بحصاة أو عود خفيف فاتفق القتل فالأقرب انه ليس بعمد وان أوجب الدية في ماله لكونه شبيه العمد لأنه لم يقصد القتل ولا ما يتسبب له عادة فيحتمل اتفاق الموت معه من دون تسببه عنه ولخبري أبي العباس ويونس المتقدمين وقول الصادق عليه السلام في خبر زرارة وأبي العباس ان العمد أن يتعمده فيقتله بما يقتل مثله والخطأ أن يتعمد هو لا يرد قتله فقتله بما لا يقتل مثله وللاحتياط ويحتمل على ضعف كونه عمدا لأنه قصد فعلا تسبب للقتل وان لم يقصد القتل ولا كان ما قصده مما يقتل غالبا وعليه منع التسبب ولما تقدم من أخبار الحلبي وأبي بصير وجميل وهو خيرة المبسوط في الأشياء المحدودة قال إذا جرحه بما له حد يجرح ويفسح ويضبع اللحم كالسيف والسكين والحجر وما في معناه مما يحد فيجرح كالرصاص والنحاس والذهب والفضة والخشب واللبطة والزجاج فكل هذا فيه القود إذا مات منه صغيرا كان الجرح أو كبيرا صغيرة كانت الآلة أو كبيرة لقوله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وهذا قد قتل مظلوما وأما ان جرحه بما يثقب البدن ولا يجرح كالمسلة والغيض؟ وهو شئ عريض رأسه حار ولا يحدد غير رأسه فمات فعليه القود للآية واما إن كان صغيرا كالإبرة ونحوها فغرزه فيه فمات فإن كان غرزه في مقتل كالعين وأصول الاذنين والخاصرة والخصيتين فعليه القود لأنه مقتل وإن كان في غير مقتل كالرأس والفخذ والصلب والعضد فإن كان لم يزل ضمنا حتى مات فعليه القود للآية ولان الظاهر أنه منه واما ان مات من ساعته قال قوم عليه القود لان له سراية في البلدن كالمسلة وقال آخرون لا قود في هذا لان هذا لا يقتل غالبا كالعصا الصغير والأول أقوى للآية إذا اضربه بمثقل يقصد به القتل غالبا كاللت والدبوس والخشبة الثقيلة والحجر فقتله فعليه القود وكذلك إذا قتله بكل ما يقصد به القتل غالبا مثل ان حرقه أو غرقه أو عمه حتى تلف أو هدم عليه بناء أو طينه عليه بغير طعام حتى مات أو والي عليه بالخنق ففي كل هذا القود فاما ان قتله بعصى خفيفة ضعيفة نظرت فإن كان فض الخلقة ضعيف القوة والبطش يموت مثله به فهو عمد محض وإن كان قوى الخلقة والبطش لم يكن عمدا عند قوم وكذلك عندنا وفي جملة ما ذكرناه خلاف ونحن نشرح هذه الجملة إما المثقل لمعروف فمتى قتله به فعليه القود واما الخنق فان خنقه بيده أو بيديه أو لف على حلقه حبلا أو منديلا ولم يزل يوالي حتى مات فعليه القود فكذا ان جعل على نفسه شيئا منع خروج نفسه مثل فحدة أو ثوب أو سده بيده مدة يموت في مثلها فمات فعليه القود وان مات في مدة لا يموت في مثلها غالبا فهو عمد الخطا فيه الدية مغلطة في ماله لا على العاقلة هذا إذا لم يرسله حتى مات وان أرسله نظرت فإن كان منقطع النفس ولم يتردد نفسه فعليه القود لأنه أرسله وهو في حكم المذبوح وان تردد نفسه ولم يزل ضمنا منه حتى مات فعليه أيضا القود لأن الظاهر أنه مات من ذلك الخنق فان برئ وزال الألم بعد ذلك فلا ضمان عليه لأنه مات من غير الخنق مثل الجراحة إذا اندملت ثم مات فاما الخنقة بحبل جعل له معاطة فأدخلها في حلقه ثم جعله على كرسي أو شئ عال وشد الحبل من فوق بشئ ثم دفع ذلك الكرسي من تحته فتعلق بنفسه فعليه القود وان مات من مساعته لأنه قتل بخنق الحبل ولا أرخى منه وإذا ضربه بسوط أو عصى ضعيفة فان والي عليه العدد الذي يموت منه غالبا فعليه القود وهذا يختلف باختلاف الأقسام فإن كان فضو الخلقة ضعيف الجسم مات بالعدد القليل وإن كان قويا غيلا لم يمت الا بالعدد الكثر فإن كان عددا لا يموت منه غالبا لكنه مات لشدة حر أو برد وكان مثل هذا العدد يقتل في هذا الزمان فعليه القود وإن كان الزمان معتدلا فلا قود لان هذا العدد لا يقتل في هذا الزمان غالبا وجملته ان هذا يختلف باختلاف حال الانسان في نفسه وباختلاف الزمان فإن كان مثله يموت من هذا العدد في هذا الزمان فعليه القود وإن كان مثله لا يموت من هذا العدد في هذا الزمان فلا قود لكنه
(٤٣٩)