فكذلك وان أطعمه القليل الذي لا يقتل مثله غالبان فاتفق الموت به فهو كغيره من الأسباب النادرة عمدا إن قصد القتل به على المتقدم والا فلا على احتمال الخلاف الا ان يعقب ألما أو مرضا فمات به ويختلف الحال باختلاف الأمزجة والأزمنة والأحوال (الخامس) أن يطرحه في النار أو الماء فيموت فهو عمد ان لم يتمكن من التخلص لكثرة الماء أو النار أو لضعفه عن المخلص بمرض أو صغر أو رباط أو عمى وعلم الرامي بالحال أو قصد القتل به أو منعه عن الخروج حتى مات أو كان في وهدة لا يتمكن من الصعود أو القاء في بئر ذات نفس أي بعيدة من قولهم غايط متنفس أي بعيدة وتنفس النهار إذا طال وتنفس به العمر وبلغك الله أنفس الأعمار أو اختقن فيها الهواء الماء بذلك أي بصفة البئر فمات ولو كان السبب غير مهلك كما لو ألقاه في ماء يسير يتمكن من الخروج عنه فلم يخرج اختيارا بل بقي تحته مستلقيا مثلا حتى مات فلا قود ولا دية لان الموت انما حصل بلبثه وهو مستند إليه لا إلى الجاني بخلاف ما إذا القي العالم بالسباحة في ماء مغرق فترك السباحة حتى مات فان السبب فيه وهو الالقاء في الماء المغرق فهلك والدفع غير موثوق به فربما ذهل أو ضعف عن السباحة الا أن يعلم أنه تركها تخاذلا بأن بعد الالقاء اني أقدر على السباحة ولا اسبح حتى أموت وإن كان السبب مهلكا لكن الدفع موثوق به كما لو تركه في نار يتمكن من التخلص منها لقلتها أو لكونه في طرفها ويمكنه الخروج منها بأدنى حركة فلم يخرج فلا قصاص إذ يتمكنه من الخروج خرج الالقاء عما يؤدي إلى الموت فإنما حصل بلبثه المستند إليه دون الجاني ولا أقل من الشبهة وسنذكر الفرق بينه وبين ما إذا جرح فلم يد أو جرحه حتى مات وفي الضمان للدية اشكال من الاشكال في استناد الموت إلى اهماله الخروج أو إلى فعل الجاني الذي هو الالقاء وأقربه السقوط ان علم أنه ترك الخروج تخاذلا ولو لم يعلم ذلك ضمنه وان دلت القرينة على أنه قدر على الخروج لأنه غير معلوم لان النار قد ترعبه وتدهشه وتشنج أعصابه بالملاقات فلا يظفر بوجه المخلص فيكون الموت مستندا إلى فعل الجاني وبالجملة فالظاهر استناد الموت إلى فعل الجاني والمسقط الذي هو الاهمال غير معلوم ثم هذه العبارة تعطي القطع بعدم القصاص مطلقا وهو موافق للخلاف والتردد في سقوط الدية ثم استقرابه إذا علم الاهمال تخاذلا وعبارة التحرير كالشرائع والارشاد والتلخيص يعطي القطع بالقصاص إذا لم يعلم الاهمال تخاذلا وبعدمه إذا علم واستقراب سقوط الدية أيضا إذا علم لقوله ولو كان السبب مهلكا لكن الدفع سهل وجب القصاص كما لو القي العارف بالسباحة في ماء مغرق فلم يسبح لأنه ربما ذهل عن السباحة وكذا لو ألقاه في نار فوقف حتى احترق لان الأعصاب قد تتشنج بملاقاة النار فيتعسر الحركة ولو عرف انه ترك الخروج تخاذلا فلا قود لأنه أعان على نفسه والأقرب عدم الدية أيضا لاستقلاله باتلاف نفسه انتهي ومبني الوجهين على تعارض ظاهرين واصلين فان الظاهر من حال الانسان انه لا يتحاول عن الخروج حتى يحترق وظاهر النار المفروضة سهولة لخروج عنها وانه لا يحترق بها الا من تعمد اللبث فيها والأصل براءة الذمة والأصل عدم الشركة في الجناية والاحتياط يقوي ما في الكتاب ولو لم يمكنه الخروج الا إلى ماء مغرق فخرج إليه فغرق ففي الضمان قصاصا أو دية اشكال من استناد موته إلى فعل نفسه الذي هو الوقوع في الماء ومن الجائه إليه ولو لم يمكنه التخلص من النار الا يقتل نفسه مباشرة ففعل فالاشكال المتقدم أقوى لأنه باشر قتل نفسه والمباشر أقوى من السبب والأقرب الضمان في المسئلتين قصاصا مع التعمد ودية لا معه لأنه بالقائه في النار مع عدم امكان التخلص الا بقتل النفس أو الوقوع في مغرق صيره في حكم غير مستقر الحياة ولو غرقه اخر لقصد التخليص من التلف أو من زيادة الألم فالأقرب الحوالة بالضمان على الأول لأنه الذي صيره في حكم غير مستقر الحياة والثاني محسن وما على المحسنين من سبيل ويحتمل الحوالة على الثاني لحصول الموت بفعله وزوال اثر فعل الأول ولو قتله الأخر لتخليصه من زيادة الألم فالحوالة عليه فإن كان الأول وارثا منع من الإرث في صورة الحوالة عليه وكذا في صورة ضمان الثاني للتهمة وازالته استقرار الحياة حكما ويحصل العلم بقدرته على الخروج عما القي فيه من نار أو ماء بقوله بعد الوقوع انا قادر على الخروج ولا اخرج حتى أموت أو بقرائن الأحوال المعلومة كقلة الماء والنار والوقوع في الطرف ولو جرحه فترك المداواة فمات ضمن لان السراية مع ترك المداواة من الجرح المضمون على الجارح بخلاف الملقي في النار مع القدرة على الخروج إذا تركه تخاذلا لان التلف من النار ليس بمجرد الالقاء والكون التابع له بل بالاحتراق المجدد للأكوان المتأخرة عنه الصادرة عن نفسه ولولا المكث الذي اختاره لما حصل الاحتراق ولا سببه وكذا لا ضمان على الفصاد لو قصده مداواة فترك هو بل كل منهما شدة حتى نزف الدم فمات على اشكال من استناد الموت إلى تفريطه وكون الفصد غير مهلك عادة واصل عدم وجوب الشد على الفصاد الا مع نقص المقصود بصغر أو جنون أو اغماء وهو خيرة التحرير والارشاد والتلخيص والشرايع ومن استناده إلى سراية الجرح فهو كغيره من الجراحات التي يهمل المجروح مداواتها وربما احتمل تضمين الطبيب إذا كان بأمره فإنه معالجه إما لو شده الفصاد فحله المفصود فتركه حتى نزف الدم فلا ضمان (السادس) لو سرت جناية العمد على طرف إلى النفس ثبت القصاص (في النفس) اتفاقا كما هو الظاهر واطلاقهم يشمل كل جراحة قصد بها القتل أم لا كانت مما يسري غالبا أولا فلو قطع إصبعه عمدا لا بقصد القتل فسرت إلى نفسه قتل الجارح ولكن فيه نظر (السابع) لو أوقع نفسه من علو على انسان فقتله وكان الايقاع قصدا وكان يقتل مثله غالبا أو كان يقتله نادرا مع قصد القتل فهو عمد ولو لم يقصد في النادر منه القتل فهو عمد الخطا ودم نفسه هدر ولو وقع لا عن عمد فلا شئ كما في عبيد بن زرارة عن الصادق ولو ألقاه غيره قاصدا للأسفل ان يقتله قيد الدافع به وبالواقع إن كان الوقوع ما يقتل الواقع غالبا أو قصد قتله أيضا ولو قصد قتله بالدفع أو كان الوقوع يقتل غالبا ولم يقصد ايقاع على الأسفل ضمن ديته وقيد بالواقع في خبر ابن رباب و عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام في رجل دفع رجلا على رجل فقتله فقال الدية الذي وقع على الرجل فقتله لأولياء المقتول قال ويرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه قال وان أصاب المدفوع شئ فيه على الدافع أيضا وهو محمول على أنه لم يعلم الا وقوعه ولم يعلم تعمده ولا دفع غيره له (الثامن) أن يقتله بسحره أن قلنا إن للسحر حقيقة كما قيل واستدل بقوله تعالى ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وبالمشاهدة وبأنه لا معني لانزال ما لا حقيقة له على الملكين وهو عمد إذا قصد به القتل أو كان سحره يقتل غالبا وقيل في الخلاف يقتل لما مر من الاخبار حدا لا قصاص بناء على أنه لا حقيقة له لقوله تعالى وما هم بضارين به من أحد الا بإذن الله وقوله يخيل إليه من سحرهم انها تسعى وفي التبيان لان كل شئ خرج عن العادة الجارية فإنه لا يجوز أن يتأتي من الساحر قال ومن جور للساحر شيئا من هذا فقد كفر لأنه لا يمكنه مع ذلك العلم بصحة المعجزات الدالة على النبوة لأنه أجاز مثله من جهة الحيلة والسحر (المطلب الثاني) أن يشاركه حيوان مباشر فلو ألقاه في أرض مسبعة مكتوفا فافترسه الأسد اتفاقا فلو قود فان الالقاه المذكور ليس بما يغلب أداؤه إلى الافتراس وعليه الدية للتسبيب ولو ألقاه إلى السبع الضاري فافترسه وجب القصاص مع العمد لغلبة الافتراس وكذا لو جمع بينه وبين الأسد في مضيق وان لم يكتفه هذا إذا قتله السبع أو جرحه جرحا يؤدي إلى الموت غالبا ولو فعل به الأسد من الجرح ما لا يقتل غالبا ضمن الدية إذا مات به للتسبيب ولا قصاص إذ لم يصدد منه مباشرة للقتل ولا تسبيب لما يقتل غالبا الا إذا قصد به القتل فكما تقدم غير مرة والمجنون الضاري كالسبع ولو انهشه حية قاتلا بأن قبضها وألقمها شيئا من بدنه ؟ ضفطها؟ أم لا فمات قتل به لغلبة الموت به وكذا لو طرح
(٤٤١)