* (وليقول الذين في قلوبهم مرض) * (1): " ذنابة لما تقدم من الكلام في النفاق ":
ذكر بعضهم أن قوله تعالى: * (وليقول الذين في قلوبهم مرض...) * الآية - بناء على أن السورة بتمامها مكية، وأن النفاق إنما حدث بالمدينة - إخبار عما سيحدث من المغيبات بعد الهجرة. انتهى.
أما كون السورة بتمامها مكية فهو المتعين من طريق النقل، وقد ادعي عليه إجماع المفسرين، وما نقل عن مقاتل أن قوله:
* (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة...) * الآية مدني لم يثبت من طريق النقل، وعلى فرض الثبوت هو قول نظري مبني على حدوث النفاق بالمدينة والآية تخبر عنه.
وأما حديث حدوث النفاق بالمدينة فقد أصر عليه بعضهم محتجا عليه بأن النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين لم يكونوا قبل الهجرة من القوة ونفوذ الأمر وسعة الطول بحيث يهابهم الناس أو يرجى منهم خير حتى يتقوهم ويظهروا لهم الإيمان ويلحقوا بجمعهم مع إبطان الكفر، وهذا بخلاف حالهم بالمدينة بعد الهجرة.
والحجة غير تامة كما أشرنا إليه في تفسير سورة المنافقون في كلام حول النفاق، فإن علل النفاق ليست تنحصر في المخافة والاتقاء أو الاستدرار من خير معجل، فمن علله الطمع ولو في نفع مؤجل، ومنها العصبية والحمية، ومنها استقرار العادة، ومنها غير ذلك.
ولا دليل على انتفاء جميع هذه العلل عن جميع من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله) بمكة قبل الهجرة، وقد نقل عن بعضهم أنه آمن ثم رجع أو آمن عن ريب ثم صلح.
على أنه تعالى يقول: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) * (2).
والآيتان في سورة مكية وهي سورة العنكبوت، وهما ناطقتان بوجود النفاق فيها، ومع الغض عن كون السورة مكية فاشتمال الآية على حديث الإيذاء في الله والفتنة أصدق شاهد على نزول الآيتين بمكة، فلم يكن بالمدينة إيذاء في الله وفتنة، واشتمال الآية على قوله:
* (ولئن جاء نصر من ربك...) * إلخ لا يدل على النزول بالمدينة فللنصر مصاديق أخرى غير الفتح المعجل.
واحتمال أن يكون المراد بالفتنة ما وقعت بمكة بعد الهجرة غير ضائر، فإن هؤلاء المفتونين بمكة بعد الهجرة إنما كانوا من الذين آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله) قبل الهجرة وإن أوذوا بعدها.
وعلى مثل ذلك ينبغي أن يحمل قوله تعالى:
* (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه