وفنون من مكائدهم، كانسلالهم من الجند الإسلامي يوم أحد وهم ثلثهم تقريبا، وعقدهم الحلف مع اليهود، واستنهاضهم على المسلمين، وبنائهم مسجد الضرار، وإشاعتهم حديث الإفك، وإثارتهم الفتنة في قصة السقاية وقصة العقبة...
إلى غير ذلك مما تشير إليه الآيات، حتى بلغ أمرهم في الإفساد وتقليب الأمور على النبي (صلى الله عليه وآله) إلى حيث هددهم الله بمثل قوله: * (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا) * (1).
وقد استفاضت الأخبار وتكاثرت في أن عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه من المنافقين وهم الذين كانوا يقلبون الأمور على النبي (صلى الله عليه وآله) ويتربصون به الدوائر، وكانوا معروفين عند المؤمنين يقربون من ثلث القوم، وهم الذين خذلوا المؤمنين يوم أحد فانمازوا منهم ورجعوا إلى المدينة قائلين: لو نعلم قتالا لاتبعناكم وهم عبد الله بن أبي وأصحابه.
ومن هنا ذكر بعضهم أن حركة النفاق بدأت بدخول الإسلام المدينة واستمرت إلى قرب وفاة النبي (صلى الله عليه وآله).
هذا ما ذكره جمع منهم، لكن التدبر في حوادث زمن النبي (صلى الله عليه وآله) والإمعان في الفتن الواقعة بعد الرحلة والاعتناء بطبيعة الاجتماع الفعالة يقضي عليه بالنظر:
أما أولا: فلا دليل مقنعا على عدم تسرب النفاق في متبعي النبي (صلى الله عليه وآله) المؤمنين بمكة قبل الهجرة، وقول القائل: ان النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين بمكة قبل الهجرة لم يكونوا من القوة ونفوذ الأمر وسعة الطول بحيث يهابهم الناس ويتقوهم أو يرجوا منهم خيرا حتى يظهروا لهم الإيمان ظاهرا ويتقربوا منهم بالإسلام، وهم مضطهدون مفتنون معذبون بأيدي صناديد قريش ومشركي مكة المعادين لهم المعاندين للحق، بخلاف حال النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة بعد الهجرة فإنه (صلى الله عليه وآله) هاجر إليها وقد كسب أنصارا من الأوس والخزرج واستوثق من أقوياء رجالهم أن يدفعوا عنهم كما يدفعون عن أنفسهم وأهليهم، وقد دخل الإسلام في بيوت عامتهم فكان مستظهرا بهم على العدة القليلة الذين لم يؤمنوا به وبقوا على شركهم، ولم يكن يسعهم أن يعلنوا مخالفتهم ويظهروا شركهم فتوقوا الشر بإظهار الإسلام، فآمنوا به ظاهرا وهم على كفرهم باطنا، فدسوا الدسائس ومكروا ما مكروا.
غير تام، فما القدرة والقوة المخالفة المهيبة ورجاء الخير بالفعل والاستدرار المعجل علة منحصرة للنفاق حتى يحكم بانتفاء النفاق لانتفائها، فكثيرا ما نجد في المجتمعات رجالا يتبعون كل داع ويتجمعون إلى كل ناعق، ولا يعبؤون بمخالفة القوى المخالفة القاهرة الطاحنة، ويعيشون على خطر مصرين على ذلك رجاء أن يوفقوا يوما لإجراء مرامهم ويتحكموا على الناس باستقلالهم بإدارة رحى المجتمع والعلو في الأرض، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) يذكر