وعلما باستعمال علوم ومعارف لا يبقى معها موضوع الرذائل، وبعبارة أخرى: إزالة الأوصاف الرذيلة بالرفع لا بالدفع.
وذلك كما أن كل فعل يراد به غير الله سبحانه فالغاية المطلوبة منه إما عزة في المطلوب يطمع فيها، أو قوة يخاف منها ويحذر عنها، لكن الله سبحانه يقول: * (إن العزة لله جميعا) * (1)، ويقول:
* (إن القوة لله جميعا) * (2)، والتحقق بهذا العلم الحق لا يبقي موضوعا لرياء، ولا سمعة، ولا خوف من غير الله، ولا رجاء لغيره، ولا ركون إلى غيره، فهاتان القضيتان إذا صارتا معلومتين للإنسان تغسلان كل ذميمة - وصفا أو فعلا - عن الإنسان تحليان نفسه بحلية ما يقابلها من الصفات الكريمة الإلهية من التقوى بالله، والتعزز بالله وغيرهما من مناعة وكبرياء واستغناء وهيبة إلهية ربانية.
وأيضا قد تكرر في كلامه تعالى أن الملك لله، وأن له ملك السماوات والأرض، وأن له ما في السماوات والأرض، وقد مر بيانه مرارا، وحقيقة هذا الملك - كما هو ظاهر - لا تبقي لشئ من الموجودات استقلالا دونه، واستغناء عنه بوجه من الوجوه، فلا شئ إلا وهو سبحانه المالك لذاته ولكل ما لذاته، وإيمان الإنسان بهذا الملك وتحققه به يوجب سقوط جميع الأشياء ذاتا ووصفا وفعلا عنده عن درجة الاستقلال، فهذا الإنسان لا يمكنه أن يريد غير وجهه تعالى، ولا أن يخضع لشئ، أو يخاف أو يرجو شيئا، أو يلتذ أو يبتهج بشئ، أو يركن إلى شئ، أو يتوكل على شئ، أو يسلم لشئ، أو يفوض إلى شئ، غير وجهه تعالى. وبالجملة: لا يريد ولا يطلب شيئا إلا وجهه الحق الباقي بعد فناء كل شئ، ولا يعرض إعراضا ولا يهرب إلا عن الباطل الذي هو غيره الذي لا يرى لوجوده وقعا ولا يعبأ به قبال الحق الذي هو وجود باريه جل شأنه.
وكذلك قوله تعالى: * (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) * (3)، وقوله: * (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ) * (4)، وقوله: * (الذي أحسن كل شئ خلقه) * (5)، وقوله: * (وعنت الوجوه للحي القيوم) * (6)، وقوله: * (كل له قانتون) * (7)، وقوله: * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) * (8)، وقوله: * (أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) * (9) وقوله: * (ألا إنه بكل شئ محيط) * (10)، وقوله: * (وأن إلى ربك المنتهى) * (11).
ومن هذا الباب الآيات التي نحن فيها وهي قوله تعالى: * (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون...) * إلى آخرها، فإن هذه الآيات وأمثالها مشتملة على معارف خاصة إلهية ذات نتائج خاصة حقيقية