وأعماله، لا بالجهات الجسمانية والأحكام الاجتماعية.
فهذه معان تعطيها هذه الآية الشريفة، وواضح أنها أحكام تغاير الأحكام الجسمانية، وتتنافى الخواص المادية الدنيوية من جميع جهاتها، فالنفس الإنسانية غير البدن.
ومما يدل عليه من الآيات قوله تعالى:
* (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى) * (1)، والتوفي والاستيفاء هو أخذ الحق بتمامه وكماله، وما تشتمل عليه الآية - من الأخذ والإمساك والإرسال - ظاهر في المغايرة بين النفس والبدن.
ومن الآيات قوله تعالى: * (وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون * قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) * (2)، ذكر سبحانه شبهة من شبهات الكفار المنكرين للمعاد، وهو أنا بعد الموت وانحلال تركيب أبداننا تتفرق أعضاؤنا، وتبدد أجزاؤنا، وتتبدل صورنا فنضل في الأرض، ويفقدنا حواس المدركين، فكيف يمكن أن نقع ثانيا في خلق جديد؟ وهذا استبعاد محض، وقد لقن تعالى على رسوله: الجواب عنه، بقوله: * (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم...) * الآية، وحاصل الجواب: أن هناك ملكا موكلا بكم هو يتوفاكم ويأخذكم، ولا يدعكم تضلوا وأنتم في قبضته وحفاظته، وما تضل في الأرض إنما هو أبدانكم لا نفوسكم التي هي المدلول عليها بلفظ " كم " فإنه يتوفاكم.
ومن الآيات قوله تعالى: * (ونفخ فيه من روحه...) * الآية (3) ذكره في خلق الإنسان ثم قال تعالى: * (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) * (4) فأفاد أن الروح من سنخ أمره، ثم عرف الأمر في قوله تعالى: * (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون * فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ) * (5) فأفاد أن الروح من الملكوت، وأنها كلمة " كن " ثم عرف الأمر بتوصيفه بوصف آخر بقوله: * (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) * (6)، والتعبير بقوله: * (كلمح بالبصر) * يعطي أن الأمر الذي هو كلمة " كن " موجود دفعي الوجود غير تدريجية، فهو يوجد من غير اشتراط وجوده وتقييده بزمان أو مكان، ومن هنا يتبين أن الأمر - ومنه الروح - شئ غير جسماني ولا مادي، فإن الموجودات المادية الجسمانية من أحكامها العامة أنها تدريجية الوجود، مقيدة بالزمان والمكان، فالروح التي للإنسان ليس بمادية جسمانية، وإن كان لها تعلق بها.
وهناك آيات تكشف عن كيفية هذا التعلق، فقد قال تعالى: * (منها خلقناكم) * (7)،